- والحديث الثاني يدل على أن العلة في شرعية الصباغ وتغيير الشيب هي مخالفة اليهود والنصارى وبهذا يتأكد استحباب الخضاب وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبالغ في مخالفة أهل الكتاب ويأمر بها وهذه السنة قد كثر اشتغال السلف بها ولهذا ترى المؤرخين في التراجم لهم يقولون وكان يخضب وكان لا يخضب .
قال ابن الجوزي : قد اختضب جماعة من الصحابة والتابعين وقال أحمد بن حنبل وقد رأى رجلا قد خضب لحيته : إني لأرى رجلا يحيي ميتا من السنة وفرح به حين رآه صبغ بها .
قال النووي مذهبنا استحباب خضاب الشيب للرجل والمرأة بصفرة أو حمرة ويحرم خضابه بالسواد على الأصح قال : وللخضاب فائدتان إحداهما تنظيف الشعر مما تعلق به والثانية مخالفة أهل الكتاب .
قال في الفتح : وقد رخص فيه أي في الخضب بالسواد طائفة من [ ص 149 ] السلف منهم سعد بن أبي وقاص وعقبة بن عامر والحسن والحسين وجرير وغير واحد واختاره ابن أبي عاصم في كتاب الخضاب وأجاب عن حديث ابن عباس رفعه ( يكون قوم يخضبون بالسواد لا يجدون ريح الجنة ) بأنه لا دلالة فيه على كراهة الخضاب بالسواد بل فيه الإخبار عن قوم هذه صفتهم وعن حديث جابر ( جنبوه السواد ) بأنه ليس في حق كل أحد .
وقد أخرج الطبراني وابن أبي عاصم من حديث أبي الدرداء رفعه ( من خضب بالسواد سود الله وجهه يوم القيامة ) قال الحافظ : وسنده لين ويمكن تعقب الجواب الأول بأن يقال ترتيب الحكم على الوصف مشعر بالعلية وقد وصف القوم المذكورين بأنهم يخضبون بالسواد ويمكن تعقب الجواب الثاني بأنه مبني على أن حكمه على الواحد ليس حكما على الجماعة وفيه خلاف معروف في الأصول