- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وقال يحيى بن معين : إسناده صحيح إذا كان من دون بهز ثقة وقد اختلف في بهز فقال أبو حاتم : لا يحتج به وروى الحاكم عن الشافعي أنه قال : ليس بهز حجة وهذا الحديث لا يثبته أهل العلم بالحديث ولو ثبت لقلنا به وكان قال به في القديم ثم رجع . وسئل أحمد عن هذا الحديث فقال : ما أدري وجهه وسئل عن إسناده فقال : صالح الإسناد . وقال ابن حبان : لولا هذا الحديث لأدخلت بهزا في الثقات . وقال ابن حزم : إنه غير مشهور العدالة . وقال ابن الطلاع : إنه مجهول وتعقبا بأنه قد وثقه جماعة من الأئمة . وقال ابن عدي : لم أر له حديثا منكرا . وقال الذهبي : ما تركه عالم قط وقد تكلم فيه أنه كان يلعب بالشطرنج . قال ابن القطان : وليس ذلك بضائر له فإن استباحته مسألة فقهية مشتهرة . قال الحافظ : وقد استوفيت الكلام فيه في تلخيص التهذيب . وقال البخاري : بهز بن حكيم يختلفون فيه وقال ابن كثير : الأكثر لا يحتجون به . وقال الحاكم : حديثه صحيح وقد حسن له الترمذي عدة أحاديث ووثقه واحتج به أحمد وإسحاق والبخاري خارج الصحيح وعلق له فيه وروى عن أبي داود أنه حجة عنده .
قوله : ( في كل إبل سائمة ) يدل على أنه لا زكاة في المعلوفة .
قوله : ( في كل أربعين ) الخ سيأتي تفصيل الكلام في ذلك .
قوله : ( لا تفرق إبل عن حسابها ) أي لا يفرق أحد الخليطين ملكه عن ملك صاحبه وسيأتي أيضا تحقيقه .
قوله : ( مؤتجرا ) أي طالبا للأجر .
قوله : ( فإنا آخذوها ) [ ص 180 ] استدل به على أنه يجوز للإمام أن يأخذ الزكاة قهرا إذ لم يرض رب المال وعلى أنه يكتفي بنية الإمام كما ذهب إلى ذلك الشافعي والهادوية وعلى أن ولاية قبض الزكاة إلى الإمام وإلى ذلك ذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه ومالك والشافعي في أحد قوليه .
قوله : ( وشطر ماله ) أي بعضه . وقد استدل به على أنه يجوز للإمام أن يعاقب بأخذ المال وإلى ذلك ذهب الشافعي في القديم من قوليه ثم رجع عنه وقال : إنه منسوخ وهكذا قال البيهقي وأكثر الشافعية . قال في التلخيص : وتعقبه النووي فقال : الذي ادعوه من كون العقوبة كانت بالأموال في أول الإسلام ليس بثابت ولا معروف ودعوى النسخ غير مقبولة مع الجهل بالتاريخ وقد نقل الطحاوي والغزالي الإجماع على نسخ العقوبة بالمال . وحكى صاحب ضوء النهار عن النووي أنه نقل الإجماع مثلهما وهو يخالف ما قدمنا عنه فينظر . وزعم الشافعي أن الناسخ حديث ناقة البراء لأنه صلى الله عليه وآله وسلم حكم عليه بضمان ما أفسدت ولم ينقل أنه صلى الله عليه وآله وسلم في تلك القضية أضعف الغرامة ولا يخفى أن تركه صلى الله عليه وآله وسلم للمعاقبة بأخذ المال في هذه القضية لا يستلزم الترك مطلقا ولا يصلح للتمسك به على عدم الجواز وجعله ناسخا البتة وقد ذهب إلى جواز المعاقبة بالمال الإمام يحيى والهادوية . وقال في الغيث : لا أعلم في جواز ذلك خلافا بين أهل البيت واستدلوا بحديث بهز هذا وبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن الجماعة وقد تقدم في الجماعة . وبحديث عمر عند أبي داود قال : ( قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه ) وفي إسناده صالح بن محمد بن زائدة المديني قال البخاري : عامة أصحابنا يحتجون به وهو باطل .
وقال الدارقطني : أنكروه على صالح ولا أصل له والمحفوظ أن سالما أمر بذلك في رجل غل في غزاة مع الوليد بن هشام . قال أبو داود : وهذا أصح . وبحديث ابن عمرو ابن العاص عند أبي داود والحاكم والبيهقي : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر أحرقوا متاع الغال وضربوه ) وفي إسناده زهير بن محمد قيل هو الخراساني وقيل غيره وهو مجهول وسيأتي الكلام على هذا الحديث في كتاب الجهاد وله شاهد مذكور هنالك . وبحديث أن سعد بن أبي وقاص سلب عبدا وجده يصيد في حرم المدينة قال : ( سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول : من وجدتموه يصيد فيه فخذوا سلبه ) أخرجه مسلم . [ ص 181 ] وبحديث تغريم كاتم الضالة أن يردها ومثلها . وحديث تضمين من أخرج غير ما يأكل من الثمر المعلق مثليه كما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري من حديث عبد الله بن عمرو : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الثمر المعلق فقال : من أصاب بفيه من ذي حاجة غير متخذ خبنة ( 1 ) فلا شيء عليه ومن خرج بشيء منه فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع ومن سرق دون ذلك فعليه غرامة مثليه والعقوبة ) وأخرج نحوه النسائي والحاكم وصححه وسيأتي في كتاب السرقة . ومن الأدلة قضية المددى الذي أغلظ لأجله الكلام عوف بن مالك عن خالد بن الوليد لما أخذ سلبه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ( لا ترد عليه ) أخرجه مسلم وبإحراق علي بن أبي طالب عليه السلام لطعام المحتكر ودور قوم يبيعون الخمر وهدمه دار جرير بن عبد الله ومشاطرة عمر لسعد بن أبي وقاص في ماله الذي جاء به من العمل الذي بعثه إليه وتضمينه لحاطب ابن أبي بلتعة مثلي قيمة الناقة التي غصبها عبيده وانتحروها وتغليظه هو وابن عباس الدية على من قتل في الشهر الحرام في البلد الحرام .
( وقد أجيب ) عن هذه الأدلة بأجوبة : أما عن حديث بهز فيما فيه من المقال وبما رواه ابن الجوزي في جامع المسانيد والحافظ في التلخيص عن إبراهيم الحربي أنه قال في سياق هذا المتن لفظة وهم فيها الراوي وإنما هو فإنا آخذوها من شطر ماله أي يجعل ماله شطرين ويتخير عليه المصدق ويأخذ الصدقة من خير الشطرين عقوبة لمنعه الزكاة فأما ما لا يلزمه فلا وبما قال بعضهم إن لفظة وشطر ماله بضم الشين المعجمة وكسر الطاء المهملة فعل مبني للمجهول ومعناه جعل ماله شطرين يأخذ المصدق الصدقة من أي الشطرين أراد .
ويجاب عن القدح بما في الحديث من المقال بأنه مما لا يقدح بمثله . وعن كلام الحربي وما بعده بأن الأخذ من خير الشطرين صادق عليه اسم العقوبة بالمال لأنه زائد على الواجب . وأما حديث هم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالإحراق فأجيب عنه بأن السنة أقوال وأفعال وتقريرات والهم ليس من الثلاثة ويرد بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يهم إلا بالجائز وأما حديث عمر فيما فيه من المقال المتقدم . وكذلك أجيب عن حديث ابن عمرو . وأما حديث سعد بن أبي وقاص فبأنه من باب الفدية كما يجب على من يصيد صيد مكة وإنما عين صلى الله عليه وآله وسلم نوع الفدية هنا بأنها سلب [ ص 182 ] العاضد فيقتصر على السبب لقصور العلة التي هي هتك الحرمة عن التعدية . وأما حديث تغريم كاتم الضالة والمخرج غير ما يأكل من الثمر . وقضية المددى فهي واردة على سبب خاص فلا يجاوز بها إلى غيره لأنها وسائر أحاديث الباب مما ورد على خلاف القياس لورود الأدلة كتابا وسنة بتحريم مال الغير . قال الله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة } { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام } وقال صلى الله عليه وآله وسلم في خطبة حجة الوداع : ( إنما دماؤكم وأموالكم وأعراضكم ) الحديث قد تقدم . وقال : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) وأما تحريق على طعام المحتكر ودور القوم وهدمه دار جرير فبعد تسليم صحة الإسناد إليه وانتهاض فعله للاحتجاج به يجاب عنه بأن ذلك من قطع ذرائع الفساد كهدم مسجد الضرار وتكسير المزامير . وأما المروي عن عمر من ذلك فيجاب عنه بعد ثبوته بأنه أيضا قول صحابي لا ينتهض للاحتجاج به ولا يقوى على تخصيص عمومات الكتاب والسنة وكذلك المروي عن ابن عباس .
قوله : ( عزمة من عزمات ربنا ) قال في البدر المنير : عزمة خير مبتدأ محذوف تقديره ذلك عزمة وضبطه صاحب إرشاد الفقه بالنصب على المصدر وكلا الوجهين جائز من حيث العربية . ومعنى العزمة في اللغة الجد في الأمر . وفيه دليل على أن أخذ ذلك واجب مفروض من الأحكام . والعزائم الفرائض كما في كتب اللغة .
_________ .
( 1 ) الخبنة بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة ما تحمله في حضنك