- ولفظ مسلم من حديث علي عليه السلام : ( قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني في الجنازة ثم قعد .
قوله : ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا لها ) فيه مشروعية القيام للجنازة إذا مرت لمن كان قاعدا وسيأتي الكلام فيه في الباب الذي بعد هذا .
قوله : ( فمن اتبعها فلا يجلس ) فيه النهي عن جلوس الماشي مع الجنازة قبل أن توضع على الأرض فقال الأوزاعي وإسحاق وأحمد ومحمد بن الحسن : إنه مستحب . حكى ذلك عنهم النووي والحافظ في الفتح ونقله ابن المنذر عن أكثر الصحابة والتابعين قالوا : والنسخ إنما هو في قيام من مرت به لا في قيام من شيعها . وحكى في الفتح عن الشعبي والنخعي أنه يكره القعود قبل أن توضع قال : وقال بعض السلف : يجب القيام واحتج له برواية النسائي عن أبي سعيد وأبي هريرة أنهما قالا : ( ما رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شهد جنازة قط فجلس حتى توضع ) انتهى .
ولا يخفى أن مجرد الفعل لا ينتهض دليلا للوجوب فالأولى الاستدلال له بحديث الباب فإن فيه النهي عن القعود قبل وضعها وهو حقيقة للتحريم وترك الحرام واجب . ومثل ذلك حديث أبي هريرة عند أحمد مرفوعا : ( من صلى على جنازة ولم يمش معها فليقم حتى تغيب عنه فإن مشى معها فلا يقعد حتى توضع ) وروى الحافظ عن الشعبي والنخعي أن القعود مكروه قبل أن توضع . ومما يدل على الاستحباب ما رواه البيهقي عن أبي هريرة وابن عمر وغيرهما إن القائم مثل الحامل يعني في [ ص 120 ] الأجر .
قوله : ( حتى توضع في الأرض ) قد ذكر المصنف كلام أبي داود في ترجيح هذه الرواية على الرواية الأخرى أعني قوله ( حتى توضع في اللحد ) وكذلك أشار البخاري إلى ترجيحها بقوله باب من شهد جنازة فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال . وأخرج أبو نعيم عن سهيل قال : رأيت أبا صالح لا يجلس حتى توضع عن مناكب الرجال . وهذا يدل على أن الرواية الأولى أرجح لأن أبا صالح راوي الحديث وهو أعرف بالمراد منه وقد تمسك بالرواية الثانية صاحب المحيط من الحنفية فقال : الأفضل أن لا يقعد حتى يهال عليها التراب انتهى . وإذا قعد الماشي مع الجنازة قبل أن توضع فهل يسقط القيام أو يقوم الظاهر الثاني لأن أصل مشروعية القيام تعظيم أمر الموت وهو لا يفوت بذلك . وقد روى البخاري في صحيحه أن أبا هريرة ومروان كانا مع جنازة فقعدا قبل أن توضع فجاء أبو سعيد فأخذ بيد مروان فأقامه وذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذلك فقال أبو هريرة صدق ورواه الحاكم بنحو ذلك وزاد أن مروان لما قال له أبو سعيد : قم . قام ثم قال له : لم أقمتني . فذكر له الحديث فقال لأبي هريرة : فما منعك أن تخبرني فقال : كنت إماما فجلست فجلست .
( وقد استدل ) المهلب بقعود أبي هريرة ومروان على أن القيام ليس بواجب وأنه ليس عليه العمل . قال الحافظ : إن أراد أنه ليس بواجب عنهما فظاهر وإن أراد في نفس الأمر فلا دلالة فيه على ذلك .
قوله : ( وعن علي عليه السلام ) الخ ذكر المصنف هذا الحديث للاستدلال به على نسخ مشروعية القيام لمن تبع الجنازة حتى توضع لقوله فيه ( حتى توضع ) فإنه يدل على أن المراد به قيام التابع للجنازة لا قيام من مرت به لأنه لا يشرع حتى توضع بل حتى تخلفه كما سيأتي ولكنه سيأتي في باب القيام للجنازة من حديث عامر بن ربيعة عند الجماعة بلفظ : ( حتى تخلفكم أو توضع ) فذكر الوضع في حديث علي عليه السلام لا يكون نصا على أن المراد قيام التابع وقد استدل به الترمذي على نسخ قيام من رأى الجنازة فقال بعد إخراجه له : وهذا ناسخ للأول ( إذا رأيتم الجنازة فقوموا ) اه . ولو سلم أن المراد بالقيام المذكور في حديث علي هو قيام التابع للجنازة فلا يكون تركه صلى الله عليه وآله وسلم ناسخا مع عدم ما يشعر بالتأسي به في هذا الفعل بخصوصه لما تقرر في الأصول من أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بالأمة ولا ينسخه [ ص 121 ]