- قوله : ( خمس ) في رواية لمسلم : ( حق المسلم على المسلم ست ) وزاد : ( وإذا استنصحك فانصح له ) وفي رواية للبخاري من حديث البراء : ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبع ) وذكر الخمس المذكورة في حديث الباب وزاد : ( ونصر المظلوم وإبرار القسم ) والمراد بقوله ( حق المسلم ) أنه لا ينبغي تركه ويكون فعله إما واجبا أو مندوبا ندبا مؤكدا شبيها بالواجب الذي لا ينبغي تركه ويكون استعماله في المعنيين [ ص 44 ] من باب استعمال المشترك في معنييه فإن الحق يستعمل في معنى الواجب كذا ذكره ابن الأعرابي وكذا يستعمل في معنى الثابت ومعنى اللازم ومعنى الصدق وغير ذلك . وقال ابن بطال : المراد بالحق هنا الحرمة والصحبة . وقال الحافظ : الظاهر أن المراد به هنا وجوب الكفاية .
قوله : ( رد السلام ) فيه دليل على مشروعية رد السلام ونقل ابن عبد البر الإجماع على أن ابتداء السلام سنة وأن رده فرض وصفة الرد أن يقول وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وهذه الصفة أكمل وأفضل فلو حذف الواو جاز وكان تاركا للأفضل وكذا لو اقتصر على وعليكم السلام بالواو أو بدونها أجزأه فلو اقتصر على وعليكم لم يجزه بلا خلاف ولو قال وعليكم بالواو ففي إجزائه وجهان لأصحاب الشافعي . وظاهر قوله ( حق المسلم ) أنه لا يرد على الكافر .
وأخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ) .
وفي الصحيحين عن أنس : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم ) وأخرج البخاري نحوه من حديث ابن عمر وقد قطع الأكثر بأنه لا يجوز ابتداؤهم بالسلام وفي الصحيحين عن أسامة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر على مجلس فيه أخلاط من المسلمين والمشركين فسلم عليهم ) .
وفي الصحيحين أيضا : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى هرقل عظيم الروم سلام على من اتبع الهدى ) .
قوله : ( وعيادة المريض ) فيه دلالة على شرعية عيادة المريض وهي مشروعة بالإجماع وجزم البخاري بوجوبها فقال باب وجوب عيادة المريض . قال ابن بطال : يحتمل أن يكون الوجوب للكفاية كإطعام الجائع وفك الأسير ويحتمل أن يكون الوارد فيها محمولا على الندب وجزم الداودي بالأول وقال الجمهور بالندب وقد تصل إلى الوجوب في حق بعض دون بعض وعن الطبري تتأكد في حق من ترجى بركته وتسن فيمن يراعي حاله وتباح فيما عدا ذلك وفي الكافر خلاف ونقل النووي الإجماع على عدم الوجوب .
قال الحافظ : يعني على الأعيان وعامة في كل مرض .
قوله : ( وإتباع الجنائز ) فيه أن إتباعها مشروع وهو سنة بالإجماع واختلف في وجوبه وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى .
قوله : ( وإجابة الدعوة ) فيه مشروعية إجابة الدعوة وهي أعم من الوليمة وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب [ ص 45 ] الوليمة إن شاء الله تعالى .
قوله : ( وتشميت العاطس ) التشميت بالسين المهملة والمعجمة لغتان مشهورتان . قال الأزهري : قال الليث التسميت ذكر الله تعالى على كل شيء ومنه قولك للعاطس يرحمك الله . وقال ثعلب : الأصل فيه المهملة فقلبت معجمة . وقال صاحب المحكم : تسميت العاطس معناه الدعاء له بالهداية إلى السمت الحسن . وفيه دليل على مشروعية تسميت العاطس وهو أن يقول له يرحمك الله .
وأخرج أبو داود بإسناد صحيح عن أبي هريرة : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله على كل حال وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله ويقول هو يهديكم الله ويصلح بالكم ) .
وأخرج البخاري عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله وليقل أخوه أو صاحبه يرحمك الله فإذا قال يرحمك الله فليقل له يهديكم الله ويصلح بالكم ) .
وأخرج مالك في الموطأ عن ابن عمر قال : ( إذا عطس أحدكم فقيل له يرحمك الله يقول يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا وإياكم ) .
والتسميت سنة على الكفاية ولو قال بعض الحاضرين أجزأ عن الباقين ولكن الأفضل أن يقول كل واحد لما في البخاري عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : إذا عطس أحدكم وحمد الله كان حقا على كل مسلم سمعه أن يقول يرحمك الله تعالى ) وقال أهل الظاهر : إنه يلزم كل واحد وبه قال ابن أبي مريم واختاره ابن العربي والتسميت إنما يكون مشروعا للعاطس إذا حمد الله كما في حديث أبي هريرة المذكور .
وفي الصحيحين عن أنس قال : ( عطس رجلان عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسمت أحدهما ولم يسمت الآخر فقال الذي لم يسمته فلان عطس فسمته وعطست فلم تسمتني فقال هذا حمد الله وأنت لم تحمد الله ) .
وفي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه ) وإذا تكرر العطاس فهل يشرع تكرير التسميت أو لا فيه خلاف .
وقد أخرج ابن السني بإسناد فيه من لم يتحقق حاله عن أبي هريرة قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إذا عطس أحدكم فليسمته جليسه وإن زاد على ثلاث فهو مزكوم ولا يسمت بعد ثلاث ) .
وفي مسلم عن سلمة بن الأكوع : ( أنه قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الثانية إنك مزكوم ) وأخرج أبو داود والترمذي [ ص 46 ] من حديث سلمة أنه قال له في الثالثة يرحمك الله هذا رجل مزكوم .
وأخرج أبو داود والترمذي أيضا عن عبيد بن رفاعة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تسميت العاطس ثلاثا فإن زاد فإن شئت سمته وإن شئت فلا ) ولكنه حديث ضعيف قال الترمذي : إسناده مجهول .
قال ابن العربي : ومعنى قوله إنك مزكوم أي إنك لست ممن يسمت بعد هذا لأن هذا الذي بك زكام ومرض لا خفة العطاس ولكنه يدعى له بدعاء المسلم للمسلم بالعافية والسلامة ولا يكون من باب التسميت .
والسنة للعاطس أن يضع ثوبه أو يده على فيه عند العطاس لما أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي هريرة قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا عطس وضع ثوبه أو يده على فيه وخفض أو غض بها صوته ) وحسنه الترمذي .
ويكره رفع الصوت بالعطاس لما أخرجه ابن السني عن عبد الله بن الزبير قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إن الله D يكره رفع الصوت بالتثاؤب والعطاس ) .
وأخرج أيضا عن أم سلمة قالت : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : التثاؤب الرفيع والعطسة الشديدة من الشيطان ) .
قوله : ( لم يزل في مخرفة الجنة ) بالخاء المعجمة على زنة مرحلة وهي البستان ويطلق على الطريق اللاحب أي الواضح . ولفظ الترمذي : ( لم يزل في خرفة الجنة ) والخرف بالضم المخترف والمجتني أفاده صاحب القاموس