- قوله : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخطب قائما ) ظاهره أن الانفضاض وقع حال الخطبة وظاهر قوله في الرواية الأخرى ( ونحن نصلي مع النبي A ) أن الانفضاض وقع بعد دخولهم في الصلاة . ويؤيد الرواية الأولى ما عند أبي عوانة من طريق عباد بن العوام وعند ابن حميد من طريق سليمان بن كثير كلاهما عن حصين عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بلفظ ( يخطب ) وكذا وقع في حديث ابن عباس عند البزار . وفي حديث أبي هريرة عند الطبراني في الأوسط . وفي مرسل قتادة عند الطبراني وغيره وعلى هذا فقوله ( نصلي ) أي ننتظر وكذا يحمل قوله ( بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة ) كما وقع في مستخرج أبي نعيم على أن المراد بقوله في الصلاة أي في الخطبة وهو من تسمية الشيء باسم ما يقارنه وبهذا يجمع بين الروايات . ويؤيده استدلال ابن مسعود على القيام في الخطبة بالآية المذكورة كما أخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح . وكذلك استدلال كعب بن عجرة كما في صحيح مسلم على ذلك .
قوله : ( فجاءت عير من الشام ) العير بكسر العين الإبل التي تحمل التجارة طعاما كانت أو غيره وهي مؤنثة لا واحد لها من لفظها ولابن مردويه عن ابن عباس : ( جاءت عير لعبد الرحمن بن عوف ) ووقع عند الطبراني عن أبي مالك أن الذي قدم بها من الشام دحية بن خليفة الكلبي وكذلك في حديث ابن عباس عند البزار وجمع بين الروايتين بأن التجارة كانت لعبد الرحمن وكان دحية السفير فيها أو كان مقارضا . ووقع في رواية ابن وهب عن الليث أنها كانت لوبرة الكلبي ويجمع بأنه كان رفيق دحية .
قوله : ( فانفتل الناس إليها ) وفي الرواية الأخرى ( فانفض الناس إليها ) وهو موافق للفظ القرآن . وفي رواية للبخاري ( فالتفتوا إليها ) والمراد بالانفتال والالتفات الانصراف يدل على ذلك رواية فانفض . وفيه رد على من حمل الالتفات على ظاهره وقال لا يفهم منه الانصراف عن الصلاة وقطعها وإنما يفهم منه التفاتهم بوجوههم أو بقلوبهم وأيضا لو كان الالتفات على ظاهره لما وقع الإنكار الشديد لأنه لا ينافي الاستماع للخطبة .
قوله : ( إلا اثنا عشر رجلا ) قال الكرماني : ليس هذا الاستثناء مفرغا فيجب رفعه بل هو من ضمير لم يبق العائد إلى الناس فيجوز فيه الرفع والنصب قال : وثبت الرفع في بعض الروايات . ووقع عند الطبراني : ( إلا أربعين رجلا ) وقال : تفرد به علي بن عاصم وهو ضعيف الحفظ وخالفه أصحاب حصين كلهم . ووقع عند ابن مردويه من رواية [ ص 344 ] ابن عباس وسبع نسوة بعد قوله إلا اثنا عشر رجلا وفي تفسير إسماعيل بن زياد الشامي وامرأتان وقد سمى من الجماعة الذين لم ينفضوا أبو بكر وعمر عند مسلم .
وفي رواية له أن جابرا قال أنا فيهم وفي تفسير الشامي أن سالما مولى أبي حذيفة منهم . وروى العقيلي عن ابن عباس أن منهم الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأناسا من الأنصار وروى السهيلي بسند منقطع أن الاثني عشر هم العشرة المبشرة بالجنة وبلال وابن مسعود . قال : وفي رواية عمار بدل ابن مسعود . قال في الفتح : ورواية العقيلي أقوى وأشبه .
قوله : ( فأنزلت هذه الآية ) ظاهر في أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة ( 1 ) والمراد باللهو على هذا ما ينشأ من رؤية القادمين وما معهم . ووقع عند الشافعي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا : ( كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب يوم الجمعة وكان لهم سوق كانت بنو سليم يجلبون إليه الخيل والإبل والسمن فقدموا فخرج إليهم الناس وتركوه قائما وكان لهم لهو يضربونه فنزلت ) ووصله أبو عوانة في صحيحه .
قوله : ( انفضوا إليها ) قيل النكتة في عود الضمير إلى التجارة دون اللهو أن اللهو لم يكن مقصودا وإنما كان تبعا للتجارة . وقيل حذف ضمير أحدهما لدلالة الآخر عليه . وقال الزجاج : أعيد الضمير إلى المعنى أي انفضوا إلى الرؤية .
( والحديث ) استدل به من قال أن عدد الجمعة اثنا عشر رجلا وقد تقدم بسط الكلام في ذلك وقد استشكل الأصيلي حديث الباب فقال : إن الله تعالى قد وصف أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ثم أجاب باحتمال أن يكون هذا الحديث قبل نزول الآية .
قال الحافظ : وهذا الذي يتعين المصير إليه مع أنه ليس في آية النور التصريح بنزولها في الصحابة وعلى تقدير ذلك فلم يكن تقدم لهم نهي عن ذلك فلما نزلت آية الجمعة وفهموا منها ذم ذلك اجتنبوه فوصفوا بعد ذلك بما في آية النور .
_________ .
( 1 ) ما ذكره الشارح C من كون هذه الآية الظاهر فيها أنها نزلت بسبب قدوم العير المذكورة ذكره الحافظ في الفتح . وفي دعوى الظهور نظر بل الظاهر أنها نزلت بسبب انفضاض الناس إلى العير المذكورة والتفاتهم إليها والإعراض عن الصلاة فنزلت الآية تلوم عليهم فعلهم هذا واستشكال الأصيلي حديث الباب يجاب عنه بأن من فعل ذلك كان حديث عهد الإسلام . والله أعلم