- حديث علي في إسناده رجل مجهول لأن عطاء الخراساني رواه عن مولى امرأته أم عثمان قالت : سمعت عليا الحديث . وعطاء الخراساني وثقه يحيى بن معين وأثنى عليه وتكلم فيه ابن حبان وكذبه سعيد بن المسيب . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة في المصنف والبزار في مسنده والطبراني في الكبير وفي إسناده مجالد بن سعيد وقد ضعفه الجمهور . وقال الحافظ في بلوغ المرام : لا بأس بإسناده .
وحديث أبي الدرداء أخرجه أيضا الطبراني من رواية شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي الدرداء .
وروي أيضا من رواية عبد الله بن سعد عن حرب بن قيس عن أبي الدرداء . قال في مجمع الزوائد : ورجال أحمد ثقات . ويشهد له ما أخرجه أبو يعلى والطبراني [ ص 335 ] عن جابر قال : ( دخل ابن مسعود والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب فجلس إلى جنبه أبي ) فذكر نحو حديث أبي الدرداء . قال العراقي : ورجاله ثقات ويشهد له أيضا ما رواه الطبراني عن أبي ذر بنحو حديث أبي الدرداء المذكور في الباب .
وعن ابن أبي أوفى عند ابن أبي شيبة في المصنف قال : ( ثلاث من سلم منهن غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى من أن يحدث حدثا يعني أذى أو أن يتكلم أو أن يقول صه ) قال العراقي : ورجاله ثقات قال : وهذا وإن كان موقوفا فمثله لا يقال من قبل الرأي فحكمه الرفع كما قاله ابن عبد البر وغيره فيما كان من هذا القبيل .
ولابن أبي أوفى حديث آخر مرفوع عند النسائي قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر الذكر ويقل اللغو ويطيل الصلاة ويقصر الخطبة ) وعن جابر عند ابن أبي شيبة أيضا في المصنف قال : قال سعد لرجل يوم الجمعة لا جمعة لك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : ( لم يا سعد قال : إنه يتكلم وأنت تخطب قال : صدق سعد ) يعني ابن أبي وقاص .
ورواه أيضا أبو يعلى والبزار وفي إسناده مجالد بن سعيد وهو ضعيف عند الجمهور كما تقدم .
وعن عبد الله بن عمر عند أبي داود : ( عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : يحضر الجمعة ثلاثة نفر فرجل حضرها يلغو فهو حظه منها ورجل حضرها يدعو فهو رجل دعا الله إن شاء أعطاه وإن شاء منعه ورجل حضرها بإنصات وسكوت ولم يتخط رقبة مسلم ولم يؤذ أحدا فهي كفارة إلى الجمعة التي تليها وزيادة ثلاثة أيام ) قال العراقي : وإسناده جيد .
وعن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة في المصنف والطبراني في الكبير قال : ( كفى لغوا إذا صعد الإمام المنبر أن تقول لصاحبك أنصت ) قال العراقي : ورجاله ثقات محتج بهم في الصحيح قال : وهو وإن كان موقوفا فمثله لا يقال من قبل الرأي فحكمه الرفع .
قوله : ( أنصت ) قال الأزهري : يقال أنصت ونصت وانتصت . قال ابن خزيمة : والمراد بالإنصات السكوت عن مكالمة الناس دون ذكر الله تعالى . وتعقب بأنه يلزم منه جواز القراءة والذكر حال الخطبة والظاهر أن المراد السكوت مطلقا قاله في الفتح وهو ظاهر الأحاديث فلا يجوز من الكلام إلا ما خصه دليل كصلاة التحية نعم الأمر بالصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكره يعم جميع الأوقات والنهي عن الكلام حال الخطبة يعم كل كلام فيتعارض العمومات ولكنه يرجح مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند ذكره حال الخطبة [ ص 336 ] ما سيأتي في تفسير اللغو من اختصاصه بالكلام الباطل الذي لا أصل له لولا ما سيأتي من الأدلة القاضية بالتعميم .
قوله : ( والإمام يخطب ) فيه دليل على اختصاص النهي بحال الخطبة ورد على من أوجب الإنصات من خروج الإمام . وكذلك قوله يوم الجمعة ظاهره أن الإنصات في خطبة غير يوم الجمعة لا يجب .
قوله : ( فقد لغوت ) قال في الفتح : قال الأخفش اللغو الكلام الذي لا أصل له من الباطل وشبهه . وقال ابن عرفة : اللغو السقط من القول . وقيل الميل عن الصواب . وقيل اللغو الإثم لقوله تعالى { وإذا مروا باللغو مروا كراما } وقال الزين ابن المنير : اتفقت أقوال المفسرين على أن اللغو ما لا يحسن من الكلام وأغرب أبو عبيد الهروي في الغريب فقال : معنى لغا تكلم والصواب التقييد . وقال النضر بن شميل : معنى لغوت خبت من الأجر . وقيل بطلت فضيلة جمعتك وقيل صارت جمعتك ظهرا . قلت : أقوال أهل اللغة متقاربة المعنى انتهى كلام الفتح .
وفي القاموس اللغو السقط وما لا يعتد به من كلام أو غيره انتهى .
ويؤيد قول من قال إن اللغو صيرورة الجمعة ظهرا ما عند أبي داود وابن خزيمة من حديث ابن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : ( من لغا وتخطى رقاب الناس كانت له ظهرا ) .
قوله : ( فلا جمعة له ) قال العلماء معناه لا جمعة له كاملة للإجماع على إسقاط فرض الوقت عنه .
قوله : ( فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ) شبه من لم يمسك عن الكلام بالحمار الحامل للأسفار بجامع عدم الانتفاع .
وظاهر قوله : ( من تكلم يوم الجمعة ) المنع من جميع أنواع الكلام من غير فرق بين ما لا فائدة فيه وغيره . ومثله حديث جابر الذي تقدم وكذلك حديث أبي لإطلاق الكلام فيهما .
ويؤيده أنه إذا جعل قوله أنصت مع كونه أمرا بمعروف لغوا فغيره من الكلام أولى بأن يسمى لغوا . وقد وقع عند أحمد بعد قوله فقد لغوت عليك بنفسك ويؤيد ذلك أيضا ما تقدم من تسمية السؤال عن نزول الآية لغوا وقد ذهب إلى تحريم كل كلام حال الخطبة الجمهور ولكن قيد ذلك بعضهم بالسامع للخطبة والأكثر لم يقيدوا قالوا وإذا أراد الأمر بالمعروف فليجعله بالإشارة . قال الحافظ : وأغرب ابن عبد البر فنقل الإجماع على وجوب الإنصات للخطبة على من سمعها إلا عن قليل من التابعين منهم الشعبي وتعقبه بأن للشافعي قولين وكذلك لأحمد وروي عنهما التفرقة بين من سمع الخطبة ومن لم يسمعها . ولبعض الشافعية التفرقة بين من تنعقد بهم الجمعة فيجب عليهم الإنصات وبين من زاد عليهم فلا يجب .
وقد حكى [ ص 337 ] المهدي في البحر عن القاسم وابنه محمد بن القاسم والمرتضى ومحمد بن الحسن أنه يجوز الكلام الخفيف حال الخطبة واستدلوا على ذلك بتقرير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله عن الساعة ولمن سأله في الاستسقاء ورد بأن الدليل أخص من الدعوى وغاية ما فيه أن يكون عموم الأمر بالإنصات مخصصا بالسؤال .
ونقل صاحب المغني الاتفاق على أن الكلام الذي يجوز في الصلاة يجوز في الخطبة كتحذير الضرير من البئر ونحوه . وخصص بعضهم رد السلام وهو أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص من وجه فتخصيص أحدهما بالآخر تحكم ومثله تشميت العاطس . وقد حكى الترمذي عن أحمد وإسحاق الترخيص في رد السلام وتشميت العاطس . وحكى عن الشافعي خلاف ذلك . وحكى ابن العربي عن الشافعي موافقة أحمد وإسحاق . قال العراقي : وهو أولى مما نقله عنه الترمذي . وقد صرح الشافعي في مختصر البويطي بالجواز فقال : ولو عطس رجل يوم الجمعة فشمته رجل رجوت أن يسعه لأن التشميت سنة ولو سلم رجل على رجل كرهت ذلك له ورأيت أن يرد عليه لأن السلام سنة ورده فرض هذا لفظه .
وقال النووي في شرح المهذب : إنه الأصح . قال في الفتح : وقد استثني من الإنصات في الخطبة ما إذا انتهى الخطيب إلى كلام لم يشرع في الخطبة مثل الدعاء للسلطان مثلا بل جزم صاحب التهذيب بأن الدعاء للسلطان مكروه . وقال النووي : محله إذا جاوز وإلا فالدعاء لولاة الأمر مطلوب . قال الحافظ : ومحل الترك إذا لم يخف الضرر وإلا فيباح للخطيب إذا خشي على نفسه .
قوله : ( إلا ما لغيت ) بفتح اللام وبكسر الغين المعجمة لغة في لغوت