- وأخرجه أيضا ابن حبان موصولا من حديث عبد الرحمن بن أبي عتيق سمعت أبي سمعت عائشة بهذا قال ابن حبان : أبو عتيق هذا هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ابن أبي قحافة .
وقال الحافظ : إنما هو من رواية ابنه عبد الله عنها قال : ورواه أحمد بن حنبل عن عبد الله عنها وقد طول الكلام عليه في التلخيص .
قوله ( أبواب السواك وسنن الفطرة ) قال أهل اللغة : السواك بكسر السين وهو يطلق على الفعل وعلى العود الذي يتسوك به وهو مذكر قال الليث : وتؤنثه العرب قال الأزهري : هذا من أغاليط الليث القبيحة وذكر صاحب المحكم أنه يؤنث ويذكر والسواك فعلك بالسواك ويقال ساك فمه يسوكه سوكا قلت : استاك لم تذكر الفم وجمع السواك سوك بضمتين ككتاب وكتب وذكر صاحب المحكم أنه يجوز سؤك بالهمز قال النووي : ثم قيل إن السواك مأخوذ من ساك إذا دلك . وقيل من جاءت الإبل تستاك أي تتمايل هزالا . وهو في اصطلاح العلماء استعمال عود ونحوه في الأسنان ليذهب الصفرة وغيرها عنها .
وأما الفطرة فقد اختلف العلماء في المراد بها ههنا قال الخطابي : ذهب أكثر العلماء إلى أنها السنة وكذا ذكر جماعة غير الخطابي . وقيل هي الدين حكاه في الفتح عن [ ص 126 ] طائفة من العلماء وبه جزم أبو نعيم في المستخرج .
وقال الراغب : أصل الفطرة الشق طولا ويطلق على الوهي وعلى الاختراع . وقال أبو شامة : أصل الفطرة الخلقة المبتدأة ومنه { فاطر السماوات والأرض } أي المبتدئ خلقهن والمراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( كل مولود يولد على الفطرة ) أي على ما ابتدأ الله خلقه عليه وفيه إشارة إلى قوله تعالى { فطرة الله التي فطر الناس عليها } والمعنى أن كل واحد لو ترك في وقت ولادته وما يؤديه إليه نظره لأداه إلى الدين الحق وهو التوحيد . ويؤيده أيضا قوله تعالى { فأقم وجهك للدين حنيفا فطرة الله } وإليه يشير في بقية الحديث حيث عقبه بقوله ( فأبواه يهودانه أو ينصرانه ) .
والحديث يدل على مشروعية السواك لأنه سبب لتطهير الفم وموجب لرضا الله على فاعله وقد أطلق فيه السواك ولم يخصه بوقت معين ولا بحالة مخصوصة فأشعر بمطلق شرعيته وهو من السنن المؤكدة وليس بواجب في حال من الأحوال لما سيأتي في حديث أبي هريرة ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك ) ونحوه . قال النووي بإجماع من يعتد به في الإجماع . وحكى أبو حامد الإسفرايني عن داود الظاهري أنه أوجبه في الصلاة وحكى الماوردي عنه أنه واجب لا تبطل الصلاة بتركه .
وحكى عن إسحاق بن راهويه أنه واجب تبطل الصلاة بتركه عمدا . قال النووي : وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود وقالوا مذهبه أنه سنة كالجماعة ولو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفته في انعقاد الإجماع على المختار الذي عليه المحققون والأكثرون قال : وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه انتهى . وعدم الاعتداد بخلاف داود مع علمه وورعه وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب وما أدري ما هو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غيره المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وجموده عليه هي في غاية الندرة ولكن : لهوى النفوس سريرة لا تعلم .
قال النووي : والسواك مستحب في جميع الأوقات لكن في خمسة أوقات أشد استحبابا : أحدها عند الصلاة سواء كان متطهرا بماء أو بتراب أو غير متطهر [ ص 127 ] كمن لم يجد ماء ولا ترابا . الثاني عند الوضوء . الثالث عند قراءة القرآن . الرابع عند الاستيقاظ من النوم . الخامس عند تغير الفم وتغيره يكون بأشياء منها ترك الأكل والشرب ومنها أكل ما له رائحة كريهة ومنها طول السكوت ومنها كثرة الكلام .
وقد قامت الأدلة على استحبابه في جميع هذه الحالات التي ذكرها . وسيأتي ذكر بعضها في هذا الباب قال : ومذهب الشافعي أن السواك يكره للصائم بعد زوال الشمس لئلا تزول رائحة الخلوف المستحبة وسيأتي الكلام عليه في باب السواك للصائم إن شاء الله . ويستحب أن يستاك بعود من أراك وبأي شيء استاك مما يزيل التغير حصل السواك كالخرقة الخشنة والأسنان .
وللفقهاء في السواك آداب وهيئات لا ينبغي للفطن الاغترار بشيء منها إلا أن يكون موافقا لما ورد عن الشارع ولقد كرهوه في أوقات وعلى حالات حتى كاد يفضي ذلك إلى ترك هذه السنة الجليلة وإطراحها وهي أمر من أمور الشريعة ظهر ظهور النهار وقبله من سكان البسيطة أهل الأنجاد والأغوار .
قوله ( مطهرة للفم ) المطهرة بكسر الميم وتفتح قال في الديوان : الفتح أفصح