- قوله : ( لا يقيم ) بصيغة الخبر والمراد النهي . وفي لفظ لمسلم : ( لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ) بصيغة النهي المؤكد .
قوله : ( يوم الجمعة ) فيه التقييد بيوم الجمعة وفي لفظ من طريق أبي الزبير عن جابر : ( لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ) وقد بوب لذلك البخاري فقال باب لا يقيم الرجل أخاه يوم الجمعة ويقعد في مكانه . وذكر يوم الجمعة في حديث جابر من باب التنصيص على بعض أفراد العام لا من باب التقييد للأحاديث المطلقة ولا من باب التخصيص للعمومات فمن سبق إلى موضع مباح سواء كان مسجدا أو غيره في يوم جمعة أو غيرها لصلاة أو لغيرها من الطاعات فهو أحق به ويحرم على غيره إقامته منه والقعود فيه إلا أنه استثني من ذلك الموضع الذي قد سبق لغيره فيه حق كأن يقعد رجل في موضع ثم يقوم منه لقضاء حاجة من الحاجات ثم يعود إليه فإنه أحق به ممن قعد فيه بعد قيامه لحديث أبي هريرة وحديث وهب بن حذيفة المذكورين في الباب وظاهرهما عدم الفرق بين المسجد وغيره ويجوز له إقامة من قعد فيه .
وقد ذهب إلى ذلك الشافعية والهادوية . ومثل ذلك الأماكن التي يقعد الناس فيها لتجارة أو نحوها فإن المعتاد للقعود في مكان يكون أحق به من غيره [ ص 307 ] إلا إذا طالت مفارقته له بحيث ينقطع معاملوه ذكره النووي في شرح مسلم . وقال في الغيث : يكون أحق به إلى العشي . وقال الغزالي : يكون أحق به ما لم يضرب . وقال أصحاب الشافعي : إن ذلك على وجه الندب لا على وجه الوجوب وإليه ذهب مالك .
قال أصحاب الشافعي : ولا فرق في المسجد بين من قام وترك له سجادة فيه ونحوها وبين من لم يترك قالوا وإنما يكون أحق به في تلك الصلاة وحدها دون غيرها .
وظاهر الحديثين عدم الفرق وظاهر حديث جابر وحديث ابن عمر أنه يجوز للرجل أن يقعد في مكان غيره إذا أقعده برضاه ولعل امتناع ابن عمر عن الجلوس في مجلس من قام له برضاه كان تورعا منه لأنه ربما استحيا منه إنسان فقام له بدون طيبة من نفسه ولكن الظاهر أن من فعل ذلك قد أسقط حق نفسه وتجويز عدم طيبة نفسه بذلك خلاف الظاهر ويكره الإيثار بمحل الفضيلة كالقيام من الصف الأول إلى الثاني لأن الإيثار وسلوك طرائق الآداب لا يليق أن يكون في العبادات والفضائل بل المعهود أنه في حظوظ النفس وأمور الدنيا فمن آثر بحظه في أمر من أمور الآخرة فهو من الزاهدين في الثواب