- الحديث الأول صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم . وفي رواية للحاكم التصريح يرفعه . ورواه أبو داود من وجه آخر وفيه أن الإمام كان عمار بن ياسر والذي جبذه حذيفة وهو مرفوع ولكن فيه مجهول والأول أقوى كما قال الحافظ . وحديث ابن مسعود ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وأثر أبي هريرة أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وذكره البخاري تعليقا .
قوله : ( بالمدائن ) هي مدينة قديمة على دجلة تحت بغداد .
قوله : ( على دكان ) بضم الدال المهملة وتشديد الكاف الدكان الحانوت قيل النون زائدة وقيل أصلية وهي الدكة بفتح الدال وهو المكان المرتفع يجلس عليه .
قوله : ( كانوا ينهون ) بفتح الياء والهاء ورواية ابن حبان أليس قد نهي عن هذا .
قوله : ( حين مددتني ) أي مددت قميصي وجبذته إليك . ورواية ابن حبان : ( ألم ترني قد تابعتك ) وفي رواية لأبي داود : ( قال عمار لذلك اتبعتك حين أخذت على يدي ) وقد استدل بهذا الحديث على أنه يكره ارتفاع الإمام في المجلس . قال ابن رسلان : وإذا كره أن يرتفع الإمام على المأموم الذي يقتدي به فلأن يكره ارتفاع المأموم على إمامه أولى .
ويؤيد الكراهة حديث ابن مسعود وظاهر النهي فيه [ ص 238 ] أن ذلك محرم لولا ما ثبت عنه A من الارتفاع على المنبر . وقد حكى المهدي في البحر الإجماع على أنه لا يضر الارتفاع قدر القامة من المؤتم في غير المسجد إلا بحذاء رأس الإمام أو متقدما واستدل لذلك أيضا بفعل أبي هريرة المذكور في الباب وقال : المذهب أن ما زاد فسد واستدل على ذلك بأن أصل البعد التحريم للإجماع في المفرط ولا دليل على جواز ما تعدى القامة ورد بأن الأصل عدم المانع فالدليل على مدعيه وذهب الشافعي إلى أنه يعفى قدر ثلاثمائة ذراع واختلف أصحابه في وجهه .
وقال عطاء : لا يضر البعد في الارتفاع مهما علم المؤتم بحال الإمام وأما ارتفاع المؤتم في المسجد فذهبت الهادوية إلى أنه لا يضر ولو زاد على القامة وكذلك قالوا لا يضر ارتفاع الإمام قدر القامة في المسجد وغيره وإذا زاد على القامة كان مضرا من غير فرق بين المسجد وغيره .
( والحاصل ) من الأدلة منع ارتفاع الإمام على المؤتمين من غير فرق بين المسجد وغيره وبين القامة ودونها وفوقها لقول أبي سعيد أنهم كانوا ينهون عن ذلك وقول ابن مسعود : نهى رسول الله A الحديث .
وأما صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر فقيل إنه إنما فعل ذلك لغرض التعليم كما يدل عليه قوله ( ولتعلموا صلاتي ) وغاية ما فيه جواز وقوف الإمام على محل أرفع من المؤتمين إذا أراد تعليمهم .
قال ابن دقيق العيد : من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم لأن اللفظ لا يتناوله ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه انتهى .
على أنه قد تقرر في الأصول أن النبي A إذا نهى عن شيء نهيا يشمله بطريق الظهور ثم فعل ما يخالفه كان الفعل مخصصا له من العموم دون غيره حيث لم يقم دليل على التأسي به في ذلك الفعل فلا تكون صلاته على المنبر معارضة للنهي عن الارتفاع باعتبار الأمة وهذا على فرض تأخر صلاته A على المنبر عن النهي من الارتفاع وعلى فرض تقدمها أو التباس المتقدم من المتأخر فيه الخلاف المعروف في الأصول في التخصيص بالمتقدم والملتبس .
وأما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطا بحيث يكون فوق ثلاثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع للإجماع من غير فرق بين المسجد وغيره وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع ويعضد هذا الأصل فعل أبي هريرة المذكور ولم ينكر عليه .
قوله : ( فكبر وهو عليه ثم ركع ) لم يذكر القيام بعد الركوع في هذه الرواية وكذا لم يذكر القراءة بعد التكبير [ ص 239 ] وقد بين ذلك البخاري في رواية له عن سفيان عن أبي حازم ولفظه : ( كبر فقرأ أو ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى ) والقهقرى بالقصر المشي إلى خلف والحامل عليه المحافظة على استقبال القبلة .
( وفي الحديث ) دليل على جواز العمل في الصلاة وقد تقدم تحقيقه .
قوله : ( ولتعلموا صلاتي ) بكسر اللام وفتح المثناة الفوقية وتشديد اللام وفيه أن الحكمة في صلاته في أعلى المنبر أن يراه من قد يخفى عليه ذلك إذا صلى على الأرض .
قوله : ( أنه كان يجمع ) الخ فيه جواز كون المؤتم في مكان في خارج المسجد . قال في البحر : ويصح كون المؤتم في داره والإمام في المسجد إن كان يرى الإمام أو المعلم ولم يتعد القامة انتهى