- حديث معاذ بن رفاعة إسناده كلهم ثقات . وحديث معاذ قد روي بألفاظ مختلفة وقد قدمنا في باب انفراد المأموم لعذر بعضا من ذلك والزيادة التي رواها الشافعي والدارقطني رواها أيضا عبد الرزاق والطحاوي والبيهقي وغيرهم قال الشافعي : هذا حديث ثابت لا أعلم حديثا يروى عن النبي A من طريق واحد أثبت منه .
قال في الفتح بعد أن ذكر هذه الزيادة : وهو حديث صحيح ورجاله رجال الصحيح وقد رد في الفتح على ابن الجوزي لما قال إنها لا تصح وعلى الطحاوي لما أعلها وزعم أنها مدرجة والرواية الثانية التي رواها أحمد رواها أيضا الطحاوي وأعلها ابن حزم بالانقطاع لأن معاذ بن رفاعة لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدرك هذا الذي شكا إليه لأن هذا الشاكي مات قبل يوم أحد .
( واعلم ) أنه قد استدل بالرواية المتفق عليها وتلك الزيادة المصرحة بأن صلاته بقومه كانت له تطوعا على جواز إقتداء المفترض [ ص 206 ] بالمتنفل وأجيب عن ذلك بأجوبة : .
منها : قوله A : ( إما أن تصلي معي وإما أن تخفف على قومك ) فإنه ادعى الطحاوي أن معناه إما أن تصلي معي ولا تصلي مع قومك وإما أن تخفف بقومك ولا تصلي معي ويرد بأن غاية ما في هذا أنه أذن له بالصلاة معه والصلاة بقومه مع التخفيف والصلاة معه فقط مع عدمه وهو لا يدل على مطلوب المانع من ذلك نعم قال المصنف C ما لفظه : وقد احتج به بعض من منع إقتداء المفترض بالمتنفل قال : لأنه يدل على أنه متى صلى معه امتنعت إمامته وبالإجماع لا تمتنع بصلاة النفل معه فعلم أنه أراد بهذا القول صلاة الفرض وأن الذي كان يصلي معه كان ينويه نفلا اه .
وعلى تسليم أن هذا هو المراد من ذلك القول فتلك الزيادة أعني قوله : ( هي له تطوع ولهم مكتوبة ) أرجح سندا وأصرح معنى . وقول الطحاوي إنها ظن من جابر مردود لأن جابرا كان ممن يصلي مع معاذ فهو محمول على أنه سمع ذلك منه ولا يظن بجابر أنه أخبر عن شخص بأمر غير معلوم له إلا بأن يكون ذلك الشخص أطلعه عليه فإنه اتقى لله وأخشى .
ومنها : أن فعل معاذ لم يكن بأمر النبي A ولا تقريره كذا قال الطحاوي ورد بأن النبي A علم بذلك وأمر معاذا به فقال : ( صل بهم صلاة أخفهم ) وقال له لما شكوا إليه تطويله : ( أفتان أنت يا معاذ ) وأيضا رأي الصحابي إذا لم يخالفه غيره حجة والواقع ههنا كذلك فإن الذين كان يصلي بهم معاذ كلهم صحابة وفيهم كما قال الحافظ ثلاثون عقبيا وأربعون بدريا وكذا قال ابن حزم قال : ولا نحفظ من غيرهم من الصحابة امتناع ذلك بل قال معهم بالجواز عمر وابنه وأبو الدرداء وأنس وغيرهم .
ومنها : أن ذلك كان في الوقت الذي يصلي فيه الفريضة مرتين فيكون منسوخا بقوله A : ( لا تصلوا الصلاة في اليوم مرتين ) كذا قال الطحاوي . ورد بأن النهي عن فعل الصلاة مرتين محمول على أنها فريضة في كل مرة كما جزم بذلك البيهقي جمعا بين الحديثين . قال في الفتح : بل لو قال قائل إن هذا النهي منسوخ بحديث معاذ لم يكن بعيدا ولا يقال القصة قديمة وصاحبها استشهد بأحد لأنا نقول كانت أحد في أواخر الثالثة فلا مانع أن يكون النهي في الأولى والإذن في الثانية مثلا . وقد قال A للرجلين اللذين لم يصليا معه : ( إذا صليتما في رحالكما ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم فإنها لكما نافلة ) أخرجه أصحاب السنن من حديث يزيد ابن الأسود وصححه ابن خزيمة وغيره وقد تقدم وكان ذلك في حجة الوداع في أواخر [ ص 207 ] حياة النبي A ويدل على الجواز أمره A لمن أدرك الأئمة الذين يأتون بعده ويؤخرون الصلاة عن ميقاتها أن يصلوها في بيوتهم في الوقت ثم يجعلوها معهم نافلة .
ومنها : أن صلاة المفترض خلف المتنفل من الاختلاف وقد قال A : ( لا تختلفوا على إمامكم ) ورد بأن الاختلاف المنهي عنه مبين في الحديث بقوله : ( فإذا كبر فكبروا ) الخ ولو سلم أنه يعم كل اختلاف لكان حديث معاذ ونحوه مخصصا له ومن المؤيدات لصحة صلاة المفترض خلف المتنفل ما قاله أصحاب الشافعي أنه لا يظن بمعاذ أن يترك فضيلة الفرض خلف أفضل الأئمة في مسجده الذي هو أفضل المساجد بعد المسجد الحرام .
ومنها : ما قاله الخطابي أن العشاء في قوله : ( كان يصلي مع النبي A العشاء ) حقيقة في المفروضة فلا يقال كان ينوي بها التطوع .
ومنها : ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الخوف أنه كان يصلي بكل طائفة ركعتين . وفي رواية أبي داود أنه صلى الله عليه وآله وسلم ( صلى بطائفة ركعتين وسلم ثم صلى بطائفة ركعتين ) وإحداهما نفل قطعا . ودعوى اختصاص ذلك بصلاة الخوف غير ظاهر .
ومنها : ما رواه الإسماعيلي عن عائشة أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعود من المسجد فيؤم بأهله وقد تقدم