- حديث جابر في إسناده عبد الله بن محمد التميمي وهو تالف . قال البخاري : منكر الحديث . وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به . وقال وكيع : يضع الحديث وقد تابعه عبد الملك بن حبيب في الواضحة ولكنه متهم بسرقة الحديث وتخليط الأسانيد وقد صرح ابن عبد البر بأن عبد الملك المذكور أفسد إسناد هذا الحديث وقد ثبت في كتب جماعة من أئمة أهل البيت كأحمد بن عيسى والمؤيد بالله وأبي طالب وأحمد بن سليمان والأمير الحسين وغيرهم عن علي عليه السلام مرفوعا : ( لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه ) وفي إسناد حديث جابر أيضا علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف .
وحديث [ ص 200 ] ابن عباس في إسناده سلام بن سليمان المدائني وهو ضعيف . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي وهو منقطع وأخرجه ابن حبان في الضعفاء وفي إسناده عبد الله بن محمد بن يحيى بن عروة وهو متروك . وأخرجه الدارقطني أيضا من حديث الحارث عن علي عليه السلام ومن حديث علقمة والأسود عن عبد الله ومن حديث مكحول أيضا عن واثلة ومن حديث أبي الدرداء من طرق كلها كما قال الحافظ واهية جدا . قال العقيلي : ليس في هذا المتن إسناد يثبت .
ونقل ابن الجوزي عن أحمد أنه سئل عنه فقال ما سمعناه بهذا . وقال الدارقطني : ليس فيها شيء يثبت . قال الحافظ : وللبيهقي في هذا الباب أحاديث كلها ضعيفة غاية الضعف وأصح ما فيه حديث مكحول عن أبي هريرة على إرساله . وقال أبو أحمد الحاكم هذا حديث منكر وأما قول عبد الكريم البكاء أنه أدرك عشرة من أصحاب النبي الخ فهو ممن لا يحتج بروايته . وقد استوفي الكلام عليه في الميزان ولكنه قد ثبت إجماع أهل العصر الأول من هذه الصحابة ومن معهم من التابعين إجماعا فعليا ولا يبعد أن يكون قوليا على الصلاة خلف الجائرين لأن الأمراء في تلك الأعصار كانوا أئمة الصلوات الخمس فكان الناس لا يؤمهم إلا أمراؤهم في كل بلدة فيها أمير وكانت الدولة إذ ذاك لبني أمية وحالهم وحال أمرائهم لا يخفى .
وقد أخرج البخاري عن ابن عمر أنه كان يصلي خلف الحجاج بن يوسف . وأخرج مسلم وأهل السنن أن أبا سعيد الخدري صلى خلف مروان صلاة العيد في قصة تقديمه الخطبة على الصلاة وإخراج منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنكار بعض الحاضرين . وأيضا قد ثبت تواترا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بأنه يكون على الأمة أمراء يميتون الصلاة ميتة الأبدان ويصلونها لغير وقتها فقالوا : يا رسول الله بما تأمرنا فقال : ( صلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم مع القوم نافلة ) ولا شك أن من أمات الصلاة وفعلها في غير وقتها غير عدل وقد أذن النبي A بالصلاة خلفه نافلة ولا فرق بينها وبين الفريضة في ذلك .
ومما يؤيد عدم اشتراط عدالة إمام الصلاة حديث ( صلوا خلف من قال لا إله إلا الله وصلوا على من قال لا إله إلا الله ) أخرجه الدارقطني وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن كذبه يحيى بن معين ورواه أيضا من وجه آخر عنه وفي إسناده خالد بن إسماعيل وهو متروك ورواه أيضا من وجه آخر عنه وفي إسناده أبو الوليد المخزومي وقد خفي حاله أيضا على الضياء المقدسي وتابعه أبو البختري وهب [ ص 201 ] ابن وهب وهو كذاب .
ورواه أيضا والطبراني من طريق مجاهد عن ابن عمر وفيه محمد بن الفضل وهو متروك وله طريق أخرى عند ابن عمر وفيها عثمان بن عبد الله العثماني وقد رماه ابن عدي بالوضع . ومما يؤيد ذلك أيضا عموم أحاديث الأمر بالجماعة من غير فرق بين أن يكون الإمام برا أو فاجرا .
( والحاصل ) أن الأصل عدم اشتراط العدالة وأن كل من صحت صلاته لنفسه صحت لغيره وقد اعتضد هذا الأصل بما ذكر المصنف وذكرنا من الأدلة وبإجماع الصدر الأول عليه وتمسك الجمهور من بعدهم به فالقائل بأن العدالة شرط كما روي عن العترة ومالك بن جعفر بن مبشر وجعفر بن حرب محتاج إلى دليل ينقل عن ذلك الأصل وقد أفردت هذا البحث برسالة مستقلة واستوفيت فيها الكلام على ما ظنه القائلون بالاشتراط دليلا من العمومات القرآنية وغيرها ولهم متمسك على اشتراط العدالة لم أقف على أحد استدل به ولا تعرض له وهو ما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن السائب بن خلاد : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا أم قوما فبصق في القبلة ورسول الله A ينظر إليه فقال رسول الله A حين فرغ : لا يصلي لكم فأراد بعد ذلك أن يصلي بهم فمنعوه وأخبروه بقول رسول الله A فذكر ذلك لرسول الله A فقال : نعم ) قال الراوي : حسبت أنه قال له إنك آذيت الله ورسوله .
( واعلم ) أن محل النزاع إنما هو في صحة الجماعة خلف من لا عدالة له وأما أنها مكروهة فلا خلاف في ذلك كما في البحر . وقد أخرج الحاكم في ترجمة مرثد الغنوي عنه A : ( إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم ) ويؤيد ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب . وله : ( لا تؤمن امرأة رجلا ) وفيه أن المرأة لا تؤم الرجل وقد ذهب إلى ذلك العترة والحنفية والشافعية وغيرهم وأجاز المزني وأبو ثور والطبري إمامتها في التراويح إذا لم يحضر من يحفظ القرآن .
ويستدل للجواز بحديث أم ورقة : ( أن النبي A أمرها أن تؤم أهل دارها ) رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة وأخرجه أيضا الدارقطني والحاكم . وأصل الحديث : ( أن رسول الله A لما غزا بدرا قالت : يا رسول الله أتاذن لي في الغزو معك فأمرها أن تؤم أهل دارها وجعل لها مؤذن يؤذن لها وكان لها غلام وجارية دبرتهما ) فالظاهر أنها كانت تصلي ويأتم بها مؤذنها وغلامها [ ص 202 ] وبقية أهل دارها . وقال الدارقطني : إنما أذن لها أن تؤم نساء أهل دارها .
قوله : ( ولا أعرابي مهاجرا ) فيه أنه لا يؤم الأعرابي الذي لم يهاجر بمن كان مهاجرا وقد تقدم أن المهاجر أولى من المتأخر عنه في الهجرة وممن لم يهاجر أولى بالأولى