- قوله : ( فليخفف ) قال ابن دقيق العيد : التطويل والتخفيف من الأمور الإضافية فقد يكون الشيء خفيفا بالنسبة إلى عادة قوم طويلا بالنسبة إلى عادة آخرين قال : وقول الفقهاء لا يزيد الإمام في الركوع والسجود على ثلاث تسبيحات لا يخالف ما ورد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يزيد على ذلك لأن رغبة الصحابة في الخير لا تقتضي أن يكون ذلك تطويلا .
قوله : ( فإن فيهم ) في رواية في البخاري للكشميهني ( فإن منهم ) وفي رواية ( فإن خلفه ) وهو تعليل للأمر بالتخفيف ومقتضاه أنه متى لم يكن فيهم من يتصف بإحدى الصفات المذكورات لم يضر التطويل ويرد عليه أنه يمكن أن يجيء من يتصف بأحدها بعد الدخول في الصلاة . وقال اليعمري : الأحكام إنما تناط بالغالب لا بالصورة النادرة فينبغي للأئمة التخفيف مطلقا قال : وهذا كما شرع القصر في صلاة المسافر وهي مع ذلك تشرع ولو لم تشق عملا بالغالب لأنه لا يدري ما يطرأ عليه وهنا كذلك .
قوله : ( فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ) المراد بالضعيف هنا ضعيف الخلقة وبالسقيم من به مرض . وفي رواية للبخاري : ( فإن منهم المريض والضعيف ) والمراد بالضعيف في هذه الرواية ضعيف الخلقة بلا شك .
وفي رواية للبخاري أيضا عن ابن مسعود : ( فإن فيهم الضعيف والكبير وذا الحاجة ) وكذلك في رواية أخرى له من حديثه والمراد بالضعيف في هاتين الروايتين المريض ويصح أن يراد من فيه ضعف وهو أعم من الحاصل بالمرض أو بنقصان الخلقة . وزاد مسلم من وجه آخر في حديث أبي هريرة والصغير وزاد الطبراني من حديث عثمان بن أبي العاص والحامل والمرضع . وله من حديث عدي ابن حاتم والعابر السبيل .
قوله : ( فليطول ما شاء ) ولمسلم : [ ص 168 ] ( فليصل كيف شاء ) أي مخففا أو مطولا . واستدل بذلك على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت وهو المصحح عند بعض الشافعية .
قال الحافظ : وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة : ( إنما التفريط أن تؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى ) أخرجه مسلم . وإذا تعارضت مصلحة المبالغة في الكمال بالتطويل ومفسدة إيقاع الصلاة في غير وقتها كان مراعاة تلك المفسدة أولى . واستدل بعمومه أيضا على جواز تطويل الاعتدال من الركوع وبين السجدتين .
قوله : ( لكنه له من حديث عثمان ابن أبي العاص ) في إسناده محمد بن عبد الله القاضي ضعفه الجمهور ووثقه ابن معين وابن سعد وقد أخرج حديث عثمان المذكور مسلم في صحيحه .
قوله : ( يؤخر الصلاة ويكملها ) فيه أن مشروعية التخفيف لا تستلزم أن تبلغ إلى حد يكون بسببه عدم تمام أركان الصلاة وقراءتها وأن من سلك طريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإيجاز والإتمام لا يشتكي منه تطويل . وروى ابن أبي شيبة أن الصحابة كانوا يتمون ويوجزون ويبادرون الوسوسة فبين العلة في تخفيفهم .
قوله : ( إني أدخل في الصلاة ) في رواية للبخاري : ( إني لأقوم في الصلاة ) .
قوله : ( وأنا أريد إطالتها ) فيه أن من قصد في الصلاة الإتيان بشيء مستحب لا يجب عليه الوفاء به خلافا لأشهب .
قوله : ( أسمع بكاء الصبي ) فيه جواز إدخال الصبيان المساجد وإن كان الأولى تنزيه المساجد عمن لا يؤمن حدثه فيها لحديث ( جنبوا مساجدكم ) وقد تقدم .
قوله : ( فأتجوز ) فيه دليل على مشروعية الرفق بالمأمومين وسائر الأتباع ومراعاة مصالحهم ودفع ما يشق عليهم وإن كانت المشقة يسيرة وإيثار تخفيف الصلاة للأمر يحدث .
قوله : ( لكنه لهما من حديث أبي قتادة ) هو في البخاري ولفظه : ( إني لأدخل في الصلاة فأريد إطالتها فأسمع بكاء الصبي فأتجوز مما أعلم من شدة وجد أمه من بكائه ) .
( وأحاديث ) الباب تدل على مشروعية التخفيف للأئمة وترك التطويل للعلل المذكورة من الضعف والسقم والكبر والحاجة واشتغال خاطر أم الصبي ببكائه ويلحق بها ما كان فيه معناها .
قال أبو عمر ابن عبد البر : التخفيف لكل إمام أمر مجمع عليه مندوب عند العلماء إليه إلا أن ذلك إنما هو أقل الكمال . وأما الحذف والنقصان فلا لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نهى عن نقر الغراب ورأى رجلا يصلي فلم يتم ركوعه فقال له : ارجع فصل فإنك لم تصل وقال : لا ينظر الله إلى من لا يقيم صلبه في ركوعه وسجوده ثم قال : لا أعلم خلافا بين أهل العلم في استحباب التخفيف لكل من أم قوما على ما شرطنا [ ص 169 ] من الإتمام .
وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : لا تبغضوا الله إلى عباده يطول أحدكم في صلاته حتى يشق على من خلفه انتهى .
وقد ورد في مشروعية التخفيف أحاديث غير ما ذكره المصنف منها عن عدي بن حاتم عند ابن أبي شيبة . وعن سمرة عند الطبراني . وعن مالك بن عبد الله الخزاعي عند الطبراني أيضا . وعن أبي واقد الليثي عند الطبراني أيضا . وعن ابن مسعود عند البخاري ومسلم . وعن جابر بن عبد الله عند البخاري ومسلم أيضا . وعن ابن عباس عند ابن أبي شيبة . وعن حزم بن أبي بن كعب الأنصاري عند أبي داود . وعن رجل من بني سلمة يقال له سليم من الصحابة عند أحمد . وعن بريدة عند أحمد أيضا . وعن ابن عمر عند النسائي