- الحديث الثاني في إسناده أبو معشر وهو ضعيف .
قوله : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ) فيه أن الصلاة كلها ثقيلة على المنافقين . ومنه قوله تعالى { ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى } وإنما كان العشاء والفجر أثقل عليهم من غيرهما لقوة الداعي إلى تركهم لهما لأن العشاء وقت السكون والراحة والصبح وقت لذة النوم ( 1 ) .
قوله : [ ص 151 ] ( ولو يعلمون ما فيهما ) أي من مزيد الفضل .
قوله : ( لأتوهما ) أي لأتوا المحل الذي يصليان فيه جماعة وهو المسجد .
قوله : ( ولو حبوا ) أي زحفا إذا منعهم مانع من المشي كما يزحف الصغير ولابن أبي شيبة من حديث أبي الدرداء ( ولو حبوا على المرافق والركب ) .
قوله : ( ولقد هممت ) اللام جواب القسم ( 2 ) وفي البخاري وغيره : ( والذي نفسي بيده لقد هممت ) والهم العزم وقيل دونه .
قوله : ( فأحرق ) بالتشديد يقال حرقه إذا بالغ في تحريقه وفيه جواز العقوبة بإتلاف المال .
( والحديث ) استدل به القائلون بوجوب صلاة الجماعة لأنها لو كانت سنة لم يهدد تاركها بالتحريق ولو كانت فرض كفاية لكانت قائمة بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه . ويمكن أن يقال إن التهديد بالتحريق المذكور يقع في حق تاركي فرض الكفاية لمشروعية قتال تاركي فرض الكفاية . قال الحافظ : وفيه نظر لأن التحريق الذي يفضي إلى القتل أخص من المقاتلة ولأن المقاتلة إنما يشرع فيها إذا تمالأ الجميع على الترك .
وقد اختلفت أقوال العلماء في صلاة الجماعة فذهب عطاء والأوزاعي وإسحاق وأحمد وأبو ثور وابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان وأهل الظاهر وجماعة ومن أهل البيت أبو العباس إلى أنها فرض عين واختلفوا فبعضهم قال هي شرط روي ذلك عن داود ( 3 ) ومن تبعه وروي مثل ذلك عن أحمد وقال الباقون : إنها فرض عين غير شرط . وذهب الشافعي في أحد قوليه قال الحافظ : هو ظاهر نصه وعليه جمهور المتقدمين من أصحابه وبه قال كثير من المالكية والحنفية إلى أنها فرض كفاية وذهب الباقون إلى أنها سنة وهو قول زيد بن علي والهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة : .
الأول : إنها لو كانت شرطا أو فرضا لبين ذلك عند التوعد كذا قال ابن بطال . ورد بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قد دل على وجوب الحضور وهو كاف في البيان .
والثاني : أن الحديث يدل على خلاف المدعى وهو عدم الوجوب لكونه صلى الله عليه وآله وسلم هم بالتوجه إلى المتخلفين ولو كانت الجماعة فرضا لما تركها وفيه أن تركه لها حال التحريق لا يستلزم [ ص 152 ] الترك مطلقا لإمكان أن يفعلها في جماعة آخرين قبل التحريق أو بعده .
الثالث : قال الباجي وغيره : أن الخبر ورد مورد الزجر وحقيقته غير مرادة وإنما المراد المبالغة ويرشد إلى ذلك وعيدهم بعقوبة لا يعاقبها إلا الكفار وقد انعقد الإجماع على منع عقوبة المسلمين بذلك وأجيب بأن ذلك وقع قبل تحريم التعذيب بالنار وكان قبل ذلك جائزا على أنه لو فرض هذا التوعد وقع بعد التحريم لكان مخصصا له فيجوز التحريق في عقوبة تارك الصلاة .
الرابع : تركه صلى الله عليه وآله وسلم لتحريقهم بعد التهديد ولو كان واجبا لما عفا عنهم . قال عياض ومن تبعه : ليس في الحديث حجة لأنه صلى الله عليه وآله وسلم هم ولم يفعل زاد النووي ولو كانت فرض عين لما تركهم وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه لا يهم إلا بما يجوز له فعله لو فعله والترك لا يدل على عدم الوجوب لاحتمال أن يكونوا انزجروا بذلك على أن رواية أحمد التي ذكرها المصنف فيها بيان سبب الترك .
الخامس أن التهديد لقوم تركوا الصلاة رأسا لا مجرد الجماعة وهو ضعيف لأن قوله : ( لا يشهدون الصلاة ) بمعنى لا يحضرون . وفي رواية لأحمد عن أبي هريرة : ( العشاء في الجمع ) أي في الجماعة . وعند ابن ماجه من حديث أسامة : ( لينتهين رجال عن تركهم الجماعات أو لأحرقن بيوتهم ) .
السادس : أن الحديث ورد في الحث على مخالفة أهل النفاق والتحذير من التشبه بهم لا لخصوص ترك الجماعة ذكر ذلك ابن المنير .
السابع : أن الحديث ورد في حق المنافقين فلا يتم الدليل وتعقب باستبعاد الاعتناء بتأديب المنافقين على تركهم الجماعة مع العلم بأنه لا صلاة لهم وبأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان معرضا عنهم وعن عقوبتهم مع علمه بطويتهم وقال لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه وتعقب هذا التعقب ابن دقيق العيد بأنه لا يتم إلا أن ادعى أن ترك معاقبة المنافقين كان واجبا عليه ولا دليل على ذلك وليس في إعراضه عنهم ما يدل على وجوب ترك عقوبتهم .
قال في الفتح : والذي يظهر لي أن الحديث ورد في المنافقين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في صدر الحديث : ( أثقل الصلاة على المنافقين ) ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( لو يعلمون ) الخ لأن هذا الوصف يليق بهم لا بالمؤمنين لكن المراد نفاق المعصية لا نفاق الكفر يدل على ذلك قوله في رواية : ( لا يشهدون العشاء في الجمع ) وقوله في حديث أسامة : ( لا يشهدون الجماعات ) وأصرح من ذلك ما في رواية أبي داود عن أبي هريرة : ( ثم آتي قوما يصلون في بيوتهم ليست بهم علة ) فهذا يدل على أن نفاقهم نفاق معصية لا كفر لأن الكافر لا يصلي في بيته إنما يصلي في المسجد [ ص 153 ] رياء وسمعة فإذا خلا في بيته كان كما وصفه الله تعالى من الكفر والاستهزاء .
قال الطيبي : خروج المؤمن من هذا الوعيد ليس من جهة أنهم سمعوا النداء جاز لهم التخلف عن الجماعة بل من جهة أن التخلف ليس من شأنهم بل هو من صفات المنافقين ويدل على ذلك قول ابن مسعود الآتي : لقد رأيتنا وما يتخلف عن الجماعة إلا منافق . وأخرج ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عمير بن أنس قال : حدثني عمومتي من الأنصار قالوا : ( قال رسول الله A : ما شهدهما منافق . " يعني العشاء والفجر " .
الثامن : أن فريضة الجماعة كانت في أول الأمر ثم نسخت . حكى ذلك القاضي عياض قال الحافظ : ويمكن أن يتقوى لثبوت النسخ بالوعيد المذكور في حقهم وهو التحريق بالنار قال : ويدل على النسخ الأحاديث الواردة في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ كما سيأتي لأن الأفضلية تقتضي الاشتراك في أصل الفضل ومن لازم ذلك الجواز .
التاسع : أن المراد بالصلاة الجمعة لا باقي الصلوات وتعقب بأن الأحاديث مصرحة بالعشاء والفجر كما في حديث الباب وغيره ولا ينافي ذلك ما وقع عند مسلم من حديث ابن مسعود أنها الجمعة لاحتمال تعدد الواقعة كما أشار إليه النووي والمحب الطبري .
( وللحديث ) فوائد ليس هذا محل بسطها وسيأتي التصريح بما هو الحق في صلاة الجماعة .
_________ .
( 1 ) وليس لهم داعي ديني ولا تصديق بأجرهما حتى يبعثهم على إتيانهما ويخف عليهم الإتيان بهما ولأنهما في ظلمة الليل وداعي الرياء الذي لأجله يصلون منتف لعدم مشاهدة من يراؤنه من الناس إلا القليل فانتفى الباعث الديني منهما كما انتفى في غيرهما ثم انتفى الباعث الدنيوي الذي في غيرهما ولذا قال صلى الله عليه وآله وسلم ناظرا إلى انتفاء الباعث الديني عندهم ( ولو يعلمون ما فيهما ) الخ والله أعلم .
( 2 ) والقسم منه A لبيان عظم شأن ما يذكره زجرا عن ترك الجماعة .
( 3 ) أي إنها شرط في صحة الصلاة بناء على ما يختاره من أن كل واجب في الصلاة فهو شرط فيها ولم يسلم له هذا لأن الشرطية لا بد لها من دليل