- الحديث معلول لأنه من رواية ابن إسحاق عن مكحول عن كريب عن ابن عباس عن عبد الرحمن . وقد رواه أحمد في المسند عن ابن علية عن ابن إسحاق عن مكحول مرسلا .
قال ابن إسحاق : فلقيت حسين بن عبد الله فقال لي : أسنده لك قلت : لا فقال : لكنه حدثني أن كريبا حدثه به وحسين ضعيف جدا . ورواه إسحاق بن راهويه والهيثم بن كليب في مسنديهما من طريق الزهري عن عبد الله بن عبد الله عن ابن عباس مختصرا وفي إسنادهما إسماعيل بن مسلم المكي وهو ضعيف وتابعه بحر بن كثير السقاء فيما ذكره الدارقطني في العلل .
وقد رواه أيضا أحمد بن حنبل عن محمد بن يزيد عن إسماعيل ابن مسلم عن الزهري وإسماعيل بن مسلم ضعيف كما مر .
والزيادة التي رواها المصنف C عن أحمد أخرج نحوها ابن ماجه ولفظه : ( ثم ليتم ما بقي من صلاته حتى يكون الوهم في الزيادة ) وفي الباب غير ما ذكره المصنف عن عثمان عند أحمد وفيه : ( من صلى فلم يدر أشفع أم أوتر فليسجد سجدتين فإنهما إتمام صلاته ) قال العراقي : رجاله ثقات إلا أن يزيد بن أبي كبشة لم يسمع من عثمان .
وقد رواه أحمد أيضا عن يزيد بن أبي كبشة عن مروان عن عثمان . وعن عائشة عند الطبراني في الأوسط وفيه : ( إذا صليت فرأيت أنك أتممت صلاتك وأنت في بيتك ) الحديث .
وعن أنس عند البيهقي قال : ( قال A : إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أثنتين صلى أو ثلاثا فليلق الشك وليبن على اليقين ) ورجال إسناده ثقات .
وعن عبد الله بن جعفر عند أبي داود بلفظ : ( من شك في صلاته فليسجد سجدتين بعد ما يسلم ) وفي إسناده مصعب بن عمير قال النسائي : منكر الحديث وفي إسناده أيضا عتبة بن محمد بن الحارث [ ص 140 ] قال العراقي : ليس بالمعروف وقال البيهقي : لا بأس بإسناد هذا الحديث .
( وحديث الباب ) قد استدل به وبما ذكر معه من قال إن من شك في ركعة بنى على الأقل مطلقا قال النووي : وإليه ذهب الشافعي والجمهور .
وحكاه المهدي في البحر عن علي عليه السلام وأبي بكر وعمر وابن مسعود وربيعة والشافعي ومالك واستدلوا أيضا بحديث أبي سعيد الآتي .
وذهب عطاء والأوزاعي والشعبي وأبو حنيفة وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وعبد الله ابن عمرو بن العاص من الصحابة إلى أن من شك في ركعة وهو مبتدأ بالشك لا مبتلي به أعاد هكذا في البحر وقال : والمبتلي الذي يمكنه التحري يعمل بتحريه وحكاه عن ابن عمر وأبي هريرة وجابر بن زيد والنخعي وأبي طالب وأبي حنيفة والذي حكاه النووي في شرح مسلم عن أبي حنيفة وموافقيه من أهل الكوفة وغيرهم من أهل الرأي أن من شك في صلاته في عدد ركعاته تحرى وبنى على غالب ظنه ولا يلزم الاقتصار والإتيان بالزيادة قال : واختلف هؤلاء فقال أبو حنيفة ومالك في طائفة : هذا لمن اعتراه الشك مرة بعد أخرى وأما غيره فيبني على اليقين وقال آخرون : هو على عمومه اه .
وحكى العراقي في شرح الترمذي عن عبد الله بن عمر وسعيد بن جبير وشريح القاضي ومحمد بن الحنفية وميمون بن مهران وعبد الكريم الجزري والشعبي والأوزاعي أنهم يقولون بوجوب الإعادة مرة بعد أخرى حتى يستيقن ولم يرو عنهم الفرق بين المبتدأ والمبتلي .
وروى عن عطاء ومالك أنهما قالا : يعيد مرة وعن طاوس كذلك وعن بعضهم يعيد ثلاث مرات .
( واحتج القائلون ) بالاستئناف بما أخرجه الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن رجل سها في صلاته فلم يدر كم صلى فقال : ليعد صلاته وليسجد سجدتين قاعدا ) .
وهو من رواية إسحاق بن يحيى بن عبادة بن الصامت . قال العراقي : لم يسمع إسحاق من جده عبادة انتهى .
فلا ينتهض لمعارضة الأحاديث الصحيحة المصرحة بوجوب البناء على الأقل ومع هذا فظاهره عدم الفرق بين المبتدأ والمبتلي والمدعي على اختصاص الإعادة بالمبتدأ .
( واحتجوا ) أيضا بما أخرجه الطبراني عن ميمونة بنت سعد أنها قالت : ( أفتنا يا رسول الله في رجل سها في صلاته فلا يدري كم صلى قال : ينصرف ثم يقوم في صلاته حتى يعلم كم صلى فإنما ذلك الوسواس يعرض فيسهيه عن صلاته ) .
وفي إسناده عثمان بن عبد الرحمن الطرائفي الجزري مختلف فيه وهو كبقية في الشاميين يروي عن المجاهيل وفي إسناده أيضا [ ص 141 ] عبد الحميد بن يزيد وهو مجهول كما قال العراقي .
( واحتج القائلون ) بوجوب العمل بالظن والتحري إما مطلقا أو لمن كان مبتلى بالشك بحديث ابن مسعود الآتي لما فيه من الأمر لمن شك بأن يتحرى الصواب وأجاب عنهم القائلون بوجوب البناء على الأقل بأن التحري هو القصد . ومنه قوله تعالى { فأولئك تحروا رشدا } فمعنى الحديث فليقصد الصواب فيعمل به وقصد الصواب هو ما بينه في حديث أبي سعيد وغيره وقد قدمنا طرفا من الخلاف في كون التحري والبناء على اليقين شيئا واحدا أم لا . وفي القاموس أن التحري التعمد وطلب ما هو أحرى بالاستعمال قال النووي فإن قالت الحنفية حديث أبي سعيد لا يخالف ما قلنا لأنه ورد في الشك وهو ما استوى طرفاه ومن شك ولم يترجح له أحد الطريقين يبني على الأقل بالإجماع بخلاف من غلب على ظنه أنه صلى أربعا مثلا فالجواب أن تفسير الشك بمستوى الطرفين إنما هو اصطلاح طارئ للأصوليين وأما في اللغة فالتردد بين وجود الشيء وعدمه كله يسمى شكا سواء المستوى والراجح والمرجوح والحديث يحمل على اللغة ما لم يكن هناك حقيقة شرعية أو عرفية ولا يجوز حمله على ما يطرأ للمتأخرين من الاصطلاح انتهى .
والذي يلوح لي أنه لا معارضة بين أحاديث البناء على الأقل والبناء على اليقين وتحري الصواب وذلك لأن التحري في اللغة كما عرفت هو طلب ما أحرى إلى الصواب وقد أمر به صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بالبناء على اليقين والبناء على الأقل عند عروض الشك فإن أمكن الخروج بالتحري عن دائرة الشك لغة ولا يكون إلا بالاستيقان بأنه فعل من الصلاة كذا ركعات فلا شك أنه مقدم على البناء على الأقل لأن الشارع قد شرط في جواز البناء على الأقل عدم الدراية كما في حديث عبد الرحمن بن عوف وهذا المتحري قد حصلت له الدراية وأمر الشاك بالبناء على ما استيقن كما في حديث أبي سعيد ومن بلغ به تحريه إلى اليقين قد بني على ما استيقن وبهذا تعلم أنه لا معارضة بين الأحاديث المذكورة وأن التحري المذكور مقدم على البناء على الأقل وقد أوقع الناس ظن التعارض بين هذه الأحاديث في مضايق ليس عليها أثارة من علم كالفرق بين المبتدأ والمبتلي والركن والركعة .
قوله في حديث الباب : ( قبل أن يسلم ) استدل به القائلون بمشروعية سجود السهو قبل السلام [ ص 142 ] وقد تقدم الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق .
قوله : ( فليصل حتى يشك في الزيادة ) فيه أن جعل الشك في جانب الزيادة أولى من جعله في جانب النقصان