- في الباب عن جماعة من الصحابة . منهم عمرو بن عبسة وابن عمر وسيذكر ذلك المصنف .
وعن ابن مسعود عند الطحاوي بلفظ : ( كنا ننهى عن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها ونصف النهار ) .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عند الطبراني في الأوسط قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تصلوا بعد الفجر حتى تطلع الشمس ولا بعد العصر حتى تغرب الشمس ) .
وعن معاذ بن عفراء أشار إليه الترمذي وذكره ابن سيد الناس في شرحه بنحو حديث أبي سعيد .
وعن زيد بن ثابت عند الطبراني : ( أن رسول [ ص 107 ] الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر ) .
وعن كعب بن مرة عند الطبراني أيضا بنحو حديث عمرو بن عبسة الآتي .
وعن سلمة بن الأكوع أشار إليه الترمذي .
وعن علي عند أبي داود قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في أثر كل صلاة مكتوبة ركعتين إلا الفجر والعصر ) .
وفي الباب عن جماعة ذكرهم الترمذي والحافظ في التلخيص .
قوله : ( لا صلاة ) قال ابن دقيق العيد : صيغة النفي إذا دخلت في ألفاظ الشارع على فعل كان الأولى حملها على نفي الفعل الشرعي لا الحسي لأنا لو حملناه على نفي الحسي لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار والأصل عدمه وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى إضمار فهذا وجه الأولوية وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي . والتقدير لا تصلوا كما تقدم التصريح بذلك في حديث أبي هريرة وابن عمرو بن العاص وسيأتي حديث علي .
وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا : إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنه لا يتطوع بعدهما ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب .
ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن كما قال الحافظ عن علي عليه السلام عن النبي A قال : ( لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر إلا أن تكون الشمس نقية ) وفي رواية : ( مرتفعة ) فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب وما قاربهما كذا في الفتح .
قوله : ( بعد صلاة العصر وبعد صلاة الفجر ) هذا تصريح بأن الكراهة متعلقة بفعل الصلاة لا بدخول وقت الفجر والعصر . وكذا قوله في الرواية الأخرى : ( لا صلاة بعد الصلاتين ) وكذا قوله في رواية ابن عمر : ( لا صلاة بعد صلاة الصبح ) وكذا قوله في حديث عمرو بن عبسة الآتي : ( صل صلاة الصبح ثم اقصر ) وقوله : ( حتى تصلي العصر ثم اقصر ) فتحمل الأحاديث المطلقة على الأحاديث المقيدة بهذه الزيادة .
( وقد اختلف ) أهل العلم في الصلاة بعد العصر وبعد الفجر فذهب الجمهور إلى أنها مكروهة وادعى النووي الاتفاق على ذلك وتعقبه الحافظ بأنه قد حكى عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة قال : وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر وبذلك جزم ابن حزم وهو أيضا مذهب الهادي والقاسم عليهما السلام وقد اختلف القائلون بالكراهة فذهب الشافعي والمؤيد بالله إلى أنه يجوز من الصلاة في هذين الوقتين ما له سبب واستدلا بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم سنة الظهر بعد [ ص 108 ] العصر وقد تقدم الجواب عن هذا الاستدلال في باب تحية المسجد وذهب أبو حنيفة إلى كراهة التطوعات في هذين الوقتين مطلقا وحكى عن جماعة منهم أبو بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات .
( واستدل ) القائلون بالإباحة مطلقا بأدلة : منها دعوى النسخ لأحاديث الباب صرح بذلك ابن حزم وغيره وجعلوا الناسخ حديث : ( من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس ) وقد تقدم ولكنه خاص بصلاة الفرض فلا يصلح لنسخ أحاديث الباب على فرض تأخره وغاية ما فيه تخصيص صلاة الفريضة من عموم النهي .
( واستدلوا ) أيضا بحديث صلاته صلى الله عليه وآله وسلم لركعتي الظهر بعد العصر وقد تقدم الجواب عنه . واستدلوا أيضا بحديث علي المتقدم لتقييد النهي فيه بقوله : ( إلا أن تكون الشمس بيضاء نقية ) وقد تقدم أن الحافظ قال في الفتح : إن إسناده حسن وقال في موضع آخر منه : إن إسناده صحيح . وهذا وإن كان صالحا لتقييد الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بمنع الصلاة بعد صلاة العصر على الإطلاق بما عدا الوقت الذي تكون الشمس فيه بيضاء نقية لكنه أخص من دعوى مدعي الإباحة للصلاة بعد العصر وبعد الفجر مطلقا .
( واستدلوا ) أيضا بما رواه مسلم عن عائشة أنها قالت : وهم عمر إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها . وبما رواه البخاري عن ابن عمر أنه قال : أصلي كما رأيت أصحابي يصلون ولا أنهى أحدا يصلي بليل أو نهار ما شاء غير أن لا تحروا طلوع الشمس ولا غروبها .
ويجاب عن الاستدلال بقول عائشة بأن الذي رواه عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثابت من طريق جماعة من الصحابة كما تقدم فلا اختصاص له بالوهم وهم مثبتون وناقلون للزيادة فروايتهم مقدمة وعدم علم عائشة لا يستلزم العدم فقد علم غيرها بما لا تعلم .
ويجاب عن الاستدلال بقول ابن عمر بأنه قول صحابي لا حجة فيه ولا يعارض المرفوع على أنه قد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلاف ما رآه كما سيأتي .
( واستدلوا ) أيضا بما أخرجه البخاري وغيره من حديث ابن عمر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا تحروا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها ) .
قالوا : فتحمل الأحاديث المذكورة في الباب على هذا حمل المطلق على المقيد أو تبنى عليه بناء العام على الخاص ويجاب بأن هذا من التنصيص على أحد أفراد العام وهو لا يصلح للتخصيص كما تقرر في الأصول [ ص 109 ] .
واعلم أن الأحاديث القاضية بكراهة الصلاة بعد صلاة العصر والفجر عامة فما كان أخص منها مطلقا كحديث يزيد بن الأسود وابن عباس الآتيين في الباب الذي بعد هذا وحديث علي المتقدم وقضاء سنة الظهر بعد العصر وسنة الفجر بعده للأحاديث المتقدمة في ذلك فلا شك أنها مخصصة لهذا العموم وما كان بينه وبين أحاديث الباب عموم وخصوص من وجه كأحاديث تحية المسجد وأحاديث قضاء الفوائت وقد تقدمت والصلاة على الجنازة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( يا علي ثلاث لا تؤخرها الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت ) الحديث . أخرجه الترمذي .
وصلاة الكسوف لقوله صلى الله عليه وآله وسلم : ( فإذا رأيتموها فافزعوا إلى الصلاة ) والركعتين عقب التطهر لحديث أبي هريرة المتقدم . وصلاة الاستخارة للأحاديث المتقدمة وغير ذلك فلا شك أنها أعم من أحاديث الباب من وجه وأخص منها من وجه وليس أحد العمومين أولى من الآخر بجعله خاصا لما في ذلك من التحكم والوقف هو المتعين حتى يقع الترجيح بأمر خارج