- قال الترمذي : وفي الباب عن عمر وبريدة . وحديث عمر إنما روي من حديث عبد الكريم ابن أبي المخارق عن نافع عن ابن عمر عن عمر قال : ( رآني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبول قائما فقال : يا عمر لا تبل قائما فما بلت قائما بعد ) . قال الترمذي : وإنما رفع هذا الحديث عبد الكريم ابن أبي المخارق وهو ضعيف عند أهل الحديث ضعفه أيوب السختياني وتكلم فيه وروى عبيد الله عن نافع عن ابن عمر " ما بلت قائما منذ أسلمت " وهذا أصح من حديث عبد الكريم .
وحديث بريدة في هذا غير محفوظ وهو بلفظ : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من الجفاء أن يبول الرجل قائما أو يمسح جبهته قبل أن يفرغ من صلاته أو ينفخ في سجوده ) ورواه البزار . وفي إسناد حديث الباب شريك بن عبد الله وقد أخرج له مسلم في المتابعات . وقد روي عن عبد الله بن مسعود أنه قال : من الجفاء أن يبول الرجل قائما .
والحديث يدل على أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان يبول حال القيام بل كان هديه في البول القعود فيكون البول حال القيام مكروها ولكن قول عائشة هذا لا ينفي إثبات من [ ص 108 ] أثبت وقوع البول منه حال القيام كما سيأتي من حديث حذيفة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتهى إلى سباطة قوم فبال قائما ) ولا شك أن الغالب من فعله هو القعود والظاهر أن بوله قائما لبيان الجواز وقيل إنما فعله لوجع كان بمأبضه ذكره ابن الأثير في النهاية وروى الحاكم والترمذي من حديث أبي هريرة قال إنما بال قائما لجرح كان في مأبضه قال الحافظ : ولو صح هذا الحديث لكان فيه غنى لكن ضعفه الدارقطني والبيهقي والمأبض باطن الركبة . وقيل فعله استشفاء كما سيأتي عن الشافعي . وقيل لأن السباطة رخوة يتخللها البول فلا يرتد إلى البائل منه شيء وقيل إنما بال قائما لكونها حالة يؤمن معها خروج الريح بصوت ففعل ذلك لكونه قريبا من الديار ويؤيده ما رواه عبد الرزاق عن عمر Bه قال البول قائما أحصن للدبر .
قال ابن القيم في الهدي : والصحيح إنما فعل ذلك تنزيها وبعدا من إصابة البول فإنه إنما فعل هذا لما أتى سباطة قوم وهو ملقى الكناسة وتسمى المزبلة وهي تكون مرتفعة فلو بال فيها الرجل قاعدا لارتد عليه بوله وهو صلى الله عليه وآله وسلم استتر بها وجعلها بينه وبين الحائط فلم يكن من بوله قائما ولا يخفى ما في هذا الكلام من التكلف .
( والحاصل ) أنه قد ثبت عنه البول قائما وقاعدا والكل سنة فقد روي عن عبد الله بن عمر أنه كان يأتي تلك السباطة فيبول قائما هذا إذا لم يصح في الباب إلا مجرد الأفعال أما إذا صح النهي عن البول حال القيام كما سيأتي من حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يبول الرجل قائما وجب المصير إليه والعمل بموجبه ولكنه يكون الفعل الذي صح عنه صارفا للنهي إلى الكراهة على فرض جهل التاريخ أو تأخر الفعل لأن لفظ الرجل يشمله صلى الله عليه وآله وسلم بطريق الظهور فيكون فعله صالحا للصرف لكونه وقع بمحضر من الناس فالظاهر أنه أراد التشريع ويعضده نهيه صلى الله عليه وآله وسلم لعمر وإن كان فيه ما سلف .
وقد صرح أبو عوانة في صحيحه وابن شاهين بأن البول عن قيام منسوخ واستدلا عليه بحديث عائشة السابق وبحديثها أيضا ما بال قائما منذ أنزل عليه القرآن رواه أبو عوانة في صحيحه والحاكم قال الحافظ : والصواب أنه غير منسوخ .
والجواب عن حديث عائشة أنه مستند إلى علمها فيحمل على ما وقع منه في البيوت وأما في غير البيوت فلم تطلع هي عليه وقد حفظه حذيفة وهو من كبار الصحابة وقد بينا أن ذلك كان بالمدينة فتضمن الرد على ما نفته من أن ذلك لم يقع بعد نزول القرآن .
وقد ثبت أن أمير المؤمنين علي [ ص 109 ] وعمر وزيد بن ثابت وغيرهم أنهم بالوا قياما وهو دال على الجواز من غير كراهة إذا أمن الرشاش ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في النهي عنه شيء انتهى