- حديث عبد الله بن مغفل رواه ابن ماجه من طريق جميل بن الحسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات .
وفي الباب عن الحكم الغفاري عند الطبراني في المعجم الكبير بلفظ حديث عبد الله بن مغفل .
وعن أنس عند البزار بلفظ : ( يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة ) قال العراقي : ورجاله ثقات .
وعن أبي سعيد أشار إليه الترمذي . وعن ابن عباس عند أبي داود وابن ماجه بلفظ : ( يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ) ولم يقل أبو داود الأسود . وقد روي موقوفا على ابن عباس . وعن ابن عباس حديث آخر مرفوع عند أبي داود وزاد فيه الخنزير واليهودي والمجوسي .
وقد صرح أبو داود أن ذكر الخنزير والمجوسي فيه نكارة قال : ولم أسمع هذا الحديث إلا من محمد ابن إسماعيل وأحسبه وهم لأنه كان يحدثنا من حفظه اه .
وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد قال : ( بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببعض أعلى الوادي يريد أن يصلي قد قام وقمنا إذ خرج علينا حمار من شعب فأمسك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكبر وأجرى إليه يعقوب بن زمعة حتى رده ) . قال العراقي : وإسناده صحيح .
وعن عائشة عند أحمد قالت : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لا يقطع صلاة المسلم شيء إلا [ ص 12 ] الحمار والكافر والكلب والمرأة لقد قرنا بدواب سوء ) قال العراقي : ورجاله ثقات .
( وأحاديث ) الباب تدل على أن الكلب والمرأة والحمار تقطع الصلاة والمراد بقطع الصلاة إبطالها وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة وأنس وابن عباس في رواية عنه وحكي أيضا عن أبي ذر وابن عمر وجاء عن ابن عمر أنه قال به في الكلب وقال به الحكم بن عمرو الغفاري في الحمار .
وممن قال من التابعين بقطع الثلاثة المذكورة الحسن البصري وأبو الأحوص صاحب ابن مسعود . ومن الأئمة أحمد بن حنبل فيما حكاه عنه ابن حزم الظاهري وحكى الترمذي عنه أنه يخصص بالكلب الأسود ويتوقف في الحمار والمرأة . قال ابن دقيق العيد : وهو أجود مما دل عليه كلام الأثرم من جزم القول عن أحمد بأنه لا يقطع المرأة والحمار وذهب أهل الظاهر أيضا إلى قطع الصلاة بالثلاثة المذكورة إذا كان الكلب والحمار بين يديه سواء كان الكلب والحمار مارا أم غير مار وصغيرا أو كبيرا حيا أم ميتا وكون المرأة بين يدي الرجل مارة أم غير مارة صغيرة أم كبيرة إلا أن تكون مضطجعة معترضة .
وذهب إلى أنه يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ابن عباس وعطاء ابن أبي رباح واستدلا بالحديث السابق عند أبي داود وابن ماجه بلفظ : ( يقطع الصلاة الكلب الأسود والمرأة الحائض ) ولا عذر لمن يقول بحمل المطلق على المقيد من ذلك وهم الجمهور .
وأما من يعمل بالمطلق وهم الحنفية وأهل الظاهر فلا يلزمهم ذلك وقال ابن العربي : إنه لا حجة لمن قيد بالحائض لأن الحديث ضعيف قال : وليست حيضة المرأة في يدها ولا بطنها ولا رجلها قال العراقي : إن أراد بضعفه ضعف رواته فليس كذلك فإن جميعهم ثقات وإن أراد به كون الأكثرين وقفوه على ابن عباس فقد رفعه شعبة ورفع الثقة مقدم على وقف من وقفه وإن كانوا أكثر على القول الصحيح في الأصول وعلوم الحديث انتهى .
وروي عن عائشة أنها ذهبت إلى أنه يقطعها الكلب والحمار والسنور دون المرأة ولعل دليلها على ذلك ما روته من اعتراضها بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم .
وقد عرفت أن الاعتراض غير المرور وقد تقدم أنها روت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن المرأة تقطع الصلاة فهي محجوجة بما روت . ويمكن الاستدلال بحديث أم سلمة الآتي وسيأتي ما عليه .
وذهب إسحاق بن راهويه إلى أنه يقطعها الكلب الأسود فقط وحكاه ابن المنذر عن عائشة ودليل هذا القول أن حديث ابن عباس الآتي أخرج الحمار وحديث أم سلمة الآتي أيضا .
وكذلك حديث عائشة المتقدم أخرج المرأة والتقييد [ ص 13 ] بالأسود أخرج ما عداه من الكلاب .
وحديث أن الخنزير والمجوسي واليهودي يقطع لا تقوم بمثله حجة كما تقدم . وفيه أن حديث عائشة المتقدم مشتمل على ذكر الكافر ورجال إسناده ثقات كما عرفت . وذهب مالك والشافعي وحكاه النووي عن جمهور العلماء من السلف والخلف ورواه المهدي في البحر عن العترة أنه لا يبطل الصلاة مرور شيء .
قال النووي : وتأول هؤلاء هذا الحديث على أن المراد بالقطع نقص الصلاة لشغل القلب بهذه الأشياء وليس المراد إبطالها ومنهم من يدعي النسخ بالحديث الآخر ( لا يقطع الصلاة شيء وادرؤا ما استطعتم ) قال : وهذا غير مرضي لأن النسخ لا يصار إليه إلا إذا تعذر الجمع بين الأحاديث وتأويلها وعلمنا التاريخ وليس هنا تاريخ ولا تعذر الجمع والتأويل بل يتأول على ما ذكرنا مع أن حديث ( لا يقطع صلاة المرء شيء ) ضعيف انتهى .
وروي القول بالنسخ عن الطحاوي وابن عبد البر واستدلا على تأخر تاريخ حديث ابن عباس الآتي بأنه كان في حجة الوداع وهي في سنة عشر وفي آخر حياة النبي A وعلى تأخر حديث عائشة وحديث ميمونة المتقدمين .
وحديث أم سلمة الآتي بأن ما حكاه زوجاته عنه يعلم تأخره لكونه صلاته بالليل عندهن ولم يزل على ذلك حتى مات خصوصا مع عائشة مع تكرر قيامه في كل ليلة فلو حدث شيء مما يخالف ذلك لعلمن به وعلى تسليم صحة هذا الاستدلال على التأخر لا يتم به المطلوب من النسخ أما أولا فقد عرفت أن حديث عائشة وميمونة خارجان عن محل النزاع وحديث أم سلمة أخص من المتنازع فيه لأن الذي فيه مرور الصغيرة بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث ابن عباس ليس فيه إلا مرور الأتان فهو أخص من الدعوى . وأما ثانيا فالخاص بهذه الأمور لا يصلح لنسخ ما اشتمل على زيادة عليها لما تقرر من وجوب بناء العام على الخاص مطلقا . وأما ثالثا فقد أمكن الجمع بما تقدم .
وأما رابعا فيمكن الجمع أيضا بأن يحمل حديث عائشة وميمونة وأم سلمة على صلاة النفل وهو يغتفر فيه ما لا يغتفر في الفرض على أنه لم ينقل أنه اجتزأ بتلك الصلاة أو يحمل على أن ذلك وقع في غير حالة الحيض والحكم بقطع صلاة المرأة للصلاة إنما هو إذا كانت حائضا كما تقدم .
وأيضا قد عرفت أن وقوع ثوبه صلى الله عليه وآله وسلم على ميمونة لا يستلزم أنها بين يديه فضلا عن أن يستلزم المرور وكذلك اعتراض عائشة لا يستلزم المرور ويحمل حديث ابن عباس على أن صلاته صلى الله عليه وآله وسلم كانت إلى سترة مع وجود السترة لا يضر مرور شيء من [ ص 14 ] الأشياء المتقدمة كما يدل على ذلك قوله في حديث أبي هريرة ( وبقي من ذلك مثل مؤخرة الرحل ) وقوله في حديث أبي ذر ( فإنه يستره إذا كان بين يديه مثل آخرة الرحل ) ولا يلزم نفي الجدار كما سيأتي في حديث ابن عباس نفي سترة أخرى من حربة أو غيرها كما ذكره العراقي .
ويدل على هذا أن البخاري بوب على هذا الحديث باب سترة الإمام سترة لمن خلفه فاقتضى ذلك أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي إلى سترة لا يقال قد ثبت في بعض طرقه عند البزار بإسناد صحيح بلفظ : ( ليس شيء بسترة تحول بيننا وبينه ) لأنا نقول لم ينف السترة مطلقا إنما نفى السترة التي تحول بينهم وبين الجدار المرتفع الذي يمنع الرؤية بينهما وقد صرح بمثل هذا العراقي ولو سلم أن هذا يدل على نفي السترة مطلقا لأمكن الجمع بوجه آخر ذكره ابن دقيق العيد وهو أن قول ابن عباس كما سيأتي ولم ينكر ذلك على أحد ولم يقل ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك يدل على أن المرور كان بين يدي بعض الصف ولا يلزم من ذلك إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لجواز أن يكون الصف ممتدا ولا يطلع عليه .
( لا يقال ) إن قوله أحد يشمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه لا معنى للاستدلال بعدم الإنكار من غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع حضرته ولو سلم إطلاعه صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك كما ورد في بعض روايات الصحيح بلفظ فلم ينكر ذلك علي بالبناء للمجهول لم يكن ذلك دليلا على الجواز لأن ترك الإنكار إنما كان لأجل أن الإمام سترة للمؤتمين كما تقدم وسيأتي ولا قطع مع السترة لما عرفت ولو سلم صحة الاستدلال بهذا الحديث على الجواز وخلوصه من شوائب هذه الاحتمالات لكان غايته أن الحمار لا يقطع الصلاة ويبقى ما عداه .
( وأما الاستدلال ) بحديث لا يقطع الصلاة شيء فستعرف عدم انتهاضه للاحتجاج ولو سلم انتهاضه فهو عام مخصص بهذه الأحاديث أما عند من يقول إنه يبنى العام على الخاص مطلقا فظاهر وعند من يقول إن العام المتأخر ناسخ فلا تأخر لعدم العلم بالتاريخ ومع عدم العلم يبنى العام على الخاص عند الجمهور . وقد ادعى أبو الحسين الإجماع على ذلك .
وأما على القول بالتعارض بين العام والخاص مع جهل التاريخ كما هو مذهب جمهور الزيدية والحنفية والقاضي عبد الجبار والباقلاني فلا شك أن الأحاديث الخاصة فيما نحن بصدده أرجح من هذا الحديث العام إذا تقرر لك ما أسلفنا عرفت أن الكلب الأسود والمرأة الحائض يقطعان الصلاة ولم يعارض الأدلة القاضية بذلك معارض إلا ذلك العموم على المذهب الثاني وقد عرفت أنه مرجوح .
وكذلك يقطع [ ص 15 ] الصلاة الخنزير والمجوسي واليهودي إن صح الحديث الوارد بذلك وقد تقدم ما يؤيده ويبقى النزاع في الحمار وقد أسلفنا في ذلك ما فيه كفاية . وأما المرأة غير الحائض والكلب الذي ليس بأسود فقد عرفت الكلام فيهما انتهى