- الحديث قال الحافظ في التلخيص : إسناده حسن . وفي الباب عن ابن عباس عند الدارقطني والبيهقي أنه قال القنوت في صلاة الصبح بدعة . قال البيهقي : لا يصح . وعن ابن عمر عند الطبراني قال في قيامهم عند فراغ القارئ من السورة يعني قيام القنوت إنها لبدعة ما فعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي إسناده بشر بن حرب الرازي وهو ضعيف . وعن ابن مسعود عند الطبراني في الأوسط والبيهقي والحاكم في كتاب القنوت بلفظ : ( ما قنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شيء من صلاته ) زاد الطبراني : ( إلا في الوتر وأنه كان إذا حارب يقنت في الصلوات كلهن يدعو على المشركين ولا قنت أبو بكر ولا عمر حتى ماتوا ولا قنت علي حتى حارب أهل الشام وكان يقنت في الصلوات كلهن ) وكان معاوية يدعو عليه أيضا قال البيهقي : كذا رواه محمد بن جابر السحيمي وهو متروك . وعن أم سلمة عند ابن ماجه قالت : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن القنوت في الفجر ) ورواه الدارقطني وفي إسناده ضعف .
( والحديث ) يدل على عدم مشروعية القنوت وقد ذهب إلى ذلك أكثر أهل العلم كما حكاه الترمذي في كتابه وحكاه العراقي عن أبي بكر وعمر وعلي وابن عباس وقال : قد صح عنهم القنوت وإذا تعارض الإثبات والنفي قدم المثبت وحكاه عن أربعة من التابعين . وعن أبي حنيفة وابن المبارك وأحمد وإسحاق وحكاه المهدي في البحر عن العبادلة وأبي الدرداء وابن مسعود . وقد اختلف النافون لمشروعيته هل يشرع عند النوازل أم لا وذهب جماعة إلى أنه مشروع في صلاة الفجر وقد حكاه الحازمي عن أكثر الناس من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من علماء الأمصار ثم عد من الصحابة الخلفاء الأربعة إلى تمام تسعة عشر من الصحابة ومن المخضرمين أبو رجاء العطاردي وسويد بن غفلة وأبو عثمان النهدي وأبو رافع الصائغ ومن التابعين اثنا عشر ومن الأئمة والفقهاء أبو إسحاق الفزاري وأبو بكر بن محمد والحكم بن عتيبة وحماد ومالك بن أنس وأهل الحجاز والأوزاعي . وأكثر أهل الشام والشافعي وأصحابه وعن الثوري روايتان . ثم قال : وغير هؤلاء خلق كثير . وزاد العراقي عبد الرحمن بن مهدي وسعيد بن عبد العزيز التنوخي وابن أبي ليلى والحسن بن صالح وداود ومحمد بن جرير وحكاه عن جماعة من أهل الحديث منهم [ ص 395 ] أبو حاتم الرازي وأبو زرعة الرازي وأبو عبد الله الحاكم والدارقطني والبيهقي والخطابي وأبو مسعود الدمشقي . وحكاه الخطابي في المعالم عن أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وحكى الترمذي عنهما خلاف ذلك . قال النووي في شرح المهذب : القنوت في الصبح مذهبنا وبه قال أكثر السلف ومن بعدهم أو كثير منهم وحكاه المهدي في البحر عن الهادي والقاسم وزيد بن علي والناصر والمؤيد بالله من أهل البيت . وقال الثوري وابن حزم : كل من الفعل والترك حسن .
واعلم أنه قد وقع الاتفاق على ترك القنوت في أربع صلوات من غير سبب وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء ولم يبق الخلاف إلا في صلاة الصبح من المكتوبات وفي صلاة الوتر من غيرها . أما القنوت في الوتر فسيأتي الكلام عليه في أبواب الوتر .
( وأما القنوت ) في صلاة الصبح فاحتج المثبتون له بحجج منها حديث البراء وأنس الآتيان ويجاب بأنه لا نزاع في وقوع القنوت منه صلى الله عليه وآله وسلم إنما النزاع في استمرار مشروعيته فإن قالوا لفظ كان يفعل يدل على استمرار المشروعية قلنا قد قدمنا عن النووي ما حكاه عن جمهور المحققين أنها لا تدل على ذلك سلمنا فغايته مجرد الاستمرار وهو لا ينافي الترك آخرا كما صرحت بذلك الأدلة الآتية على أن هذين الحديثين فيهما أنه كان يفعل ذلك في الفجر والمغرب فما هو جوابكم عن المغرب فهو جوابنا عن الفجر . وأيضا في حديث أبي هريرة المتفق عليه أنه كان يقنت في الركعة الآخرة من صلاة الظهر والعشاء الآخرة وصلاة الصبح فما هو جوابكم عن مدلول لفظ كان ههنا فهو جوابنا . قالوا أخرج الدارقطني وعبد الرزاق وأبو نعيم وأحمد والبيهقي والحاكم وصححه عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قنت شهرا يدعو على قاتلي أصحابه ببئر معونة ثم ترك فأما الصبح فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا ) وأول الحديث في الصحيحين ولو صح هذا لكان قاطعا للنزاع ولكنه من طريق أبي جعفر الرازي قال فيه عبد الله بن أحمد : ليس بالقوي . وقال علي بن المديني : إنه يخلط . وقال أبو زرعة : يهم كثيرا . وقال عمرو بن علي الفلاس : صدوق سيئ الحفظ . وقال ابن معين : ثقة ولكنه يخطئ وقال الدوري : ثقة ولكنه يغلط وحكى الساجي أنه قال : صدوق ليس بالمتقن وقد وثقه غير واحد . ولحديثه هذا شاهد ولكن في إسناده عمرو بن عبيد وليس بحجة .
قال الحافظ : ويعكر على هذا ما رواه الخطيب من طريق قيس بن الربيع عن عاصم بن سليمان قلنا لأنس : ( إن قوما يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يزل [ ص 396 ] يقنت في الفجر فقال : كذبوا إنما قنت شهرا واحدا يدعو على حي من أحياء المشركين ) وقيس وإن كان ضعيفا لكنه لم يتهم بكذب . وروى ابن خزيمة في صحيحه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ) فاختلفت الأحاديث عن أنس واضطربت فلا يقوم لمثل هذا حجة انتهى .
( إذا تقرر لك هذا ) علمت أن الحق ما ذهب إليه من قال إن القنوت مختص بالنوازل وأنه ينبغي عند نزول النازلة أن لا تخص به صلاة دون صلاة . وقد ورد ما يدل على هذا الاختصاص من حديث أنس عند ابن خزيمة في صحيحه وقد تقدم .
ومن حديث أبي هريرة عن ابن حبان بلفظ : ( كان لا يقنت إلا أن يدعو لأحد أو يدعو على أحد ) وأصله في البخاري كما سيأتي وستعرف الأدلة الدالة على ترك مطلق القنوت ومقيده وقد حاول جماعة من حذاق الشافعية الجمع بين الأحاديث بما لا طائل تحته وأطالوا الاستدلال على مشروعية القنوت في صلاة الفجر في غير طائل . ( وحاصله ) ما عرفناك وقد طول المبحث الحافظ ابن القيم في الهدى وقال ما معناه : الإنصاف الذي يرتضيه العالم المنصف أنه صلى الله عليه وآله وسلم قنت وترك وكان تركه للقنوت أكثر من فعله فإنه إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم وللدعاء على آخرين ثم تركه لما قدم من دعا لهم وخلصوا من الأسر وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين وكان قنوته لعارض فلما زال ترك القنوت وقال في غضون ذلك المبحث : إن أحاديث أنس كلها صحاح يصدق بعضها بعضا ولا تتناقض وحمل قول أنس ما زال يقنت حتى فارق الدنيا على إطالة القيام بعد الركوع وقد أسلفنا الأدلة على مشروعية ذلك في باب الجلسة بين السجدتين وأجاب عن تخصيصه بالفجر بأنه وقع بحسب سؤال السائل فإنه إنما سأل أنسا عن قنوت الفجر فأجابه عما سأله عنه وبأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يطيل صلاة الفجر دون سائر الصلوات قال : ومعلوم أنه كان يدعو ربه ويثني عليه ويمجده في هذا الاعتدال وهذا قنوت منه بلا ريب فنحن لا نشك ولا نرتاب أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا ولما صار القنوت في لسان الفقهاء وأكثر الناس هو هذا الدعاء المعروف اللهم اهدني فيمن هديت الخ وسمعوا أنه لم يزل يقنت في الفجر حتى فارق الدنيا وكذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة حملوا القنوت في لفظ الصحابة على القنوت في اصطلاحهم ونشأ من لا يعرف غير ذلك فلم يشك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا مداومين على هذا كل غداة وهذا هو الذي [ ص 397 ] نازعهم فيه جمهور العلماء وقالوا لم يكن من فعله الراتب بل ولا يثبت عنه أنه فعله وغاية ما روي عنه في هذا القنوت أنه علمه الحسن بن علي إلى آخر كلامه وهو على فرض صلاحية حديث أنس للاحتجاج وعدم اختلافه واضطرابه محمل حسن . واعلم أنه قد وقع الاتفاق على عدم وجوب القنوت مطلقا كما صرح بذلك صاحب البحر وغيره