- وقع في رواية لابن حبان مستقبل القبلة مستدبر الشام قال الحافظ : وهي خطأ تعد من قسم المقلوب .
قوله ( رقيت ) رقى إلى الشيء بكسر القاف رقيا ورقوا صعد وترقى مثله ورقى غيره والمرقاة والمرقاة الدرجة ونظيره مسقاة مسقاة ومثناة ومثناة للحبل ومبناة ومبناة للعيبة أو النطع يعني بفتح الميم وكسرها فيها قاله ابن سيد الناس في شرح الترمذي .
قوله ( على بيت حفصة ) وقع في رواية ( على ظهر بيت لنا ) وفي أخرى ( على ظهر بيتنا ) وكلها في الصحيح . وفي رواية لابن خزيمة ( دخلت على حفصة بنت عمر فصعدت ظهر البيت ) وطريق الجمع أن يقال أضاف البيت إليه على سبيل المجاز لكونها أخته وأضافه إلى حفصة لأنه البيت الذي أسكنها فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو أضافه إلى نفسه باعتبار ما آل إليه الحال لأنه ورث حفصة دون أخوته لكونه شقيقها .
الحديث يدل على جواز استدبار القبلة حال قضاء الحاجة وقد استدل به من قال بجواز الاستقبال والاستدبار ورأى أنه ناسخ واعتقد الإباحة مطلقا .
وبه احتج من خص عدم الجواز بالصحارى كما تقدم ومن خص المنع بالاستقبال دون الاستدبار في الصحارى والعمران ومن جوز الاستدبار في البنيان وهي أربعة مذاهب من المذاهب الثمانية التي تقدمت ولكنه لا يخفى أن الدليل باعتبار الثلاثة المذاهب الأول من هذه الأربعة أخص من الدعوى . أما الأول منها فظاهر . وأما الثاني فلأن المدعى جواز الاستقبال والاستدبار في البنيان وليس في الحديث إلا الاستدبار . وأما الثالث فلأن المدعى جواز الاستدبار في الصحارى والعمران وليس في الحديث إلا الاستدبار في العمران فقط ويمكن تأييد الأول من الأربعة بأن اعتبار خصوص كونه في البنيان وصف ملغى فيطرح ويؤخذ منه الجواز مجردا عن ذلك ولكنه يفت في عضد هذا التأييد أن الواجب أن يقتصر في مخالفة مقتضى العموم على مقدار الضرورة ويبقى العام على مقتضى عمومه فيما بقي من الصور إذ لا معارض له فيما عدا تلك الصورة المخصوصة التي ورد بها الدليل الخاص وهذا لو فرض أن حديث أبي [ ص 99 ] أيوب وغيره ورد بصيغة واحدة تعم الاستقبال والاستدبار فكيف وهو قد ورد بصيغتين صيغة دلت على منع الاستقبال وصيغة دلت على منع الاستدبار فغاية ما في حديث ابن عمر تخصيص الصيغة الثانية لأنه وارد في البنيان وهي عامة لكل استدبار ويمكن أيضا تأييد المذهب الثاني من هذه الأربعة بأن الاستقبال في البنيان يقاس على الاستدبار ولكنه يخدش فيه ما قاله ابن دقيق العيد أن هذا تقديم للقياس على مقتضى اللفظ العام وفيه ما فيه على ما عرف في أصول الفقه وبأن شرط القياس مساواة الفرع للأصل أو زيادة عليه في المعنى المعتبر في الحكم ولا تساوي ههنا فإن الاستقبال يزيد في القبح على الاستدبار على ما شهد به العرف ولهذا اعتبر بعض العلماء هذا المعنى فمنع الاستقبال وأجاز الاستدبار وإذا كان الاستقبال أزيد في القبح من الاستدبار فلا يلزم من إلغاء المفسدة الناقصة في القبح في حكم الجواز إلغاء المفسدة الزائدة في القبح في حكم الجواز انتهى .
وفيه أن دعوى الزيادة في القبح ممنوعة ومجرد اقتصار بعض أهل العلم على منع الاستقبال ليس لكونه أشد بل لأنه لم يقم دليل على جوازه كما قام على جواز الاستدبار والتخصيص بالقياس مذهب مشهور راجح وهذا على تسليم أنه لا دليل على الجواز إلا مجرد القياس وليس كذلك فإن حديث جابر الآتي بلفظ أنه رآه قبل أن يقبض بعام مستقبل القبلة نص في محل النزاع لولا ما أسلفنا في الباب الأول من أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض قوله الخاص بنا كما تقرر في الأصول .
ويمكن تأييد المذهب الثالث من الأربعة بأن الاستدبار في الفضاء ملحق بالاستدبار في البنيان لأن الأمكنة أوصاف طردية ملغاة ويقدح فيه ما سلف .
وأما المذهب الرابع فلا مطعن فيه إلا ما ذكرناه أنه لا تعارض بين قوله الخاص بنا وفعله لا سيما ورؤية ابن عمر كانت اتفاقية من دون قصد منه ولا من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فلو كان يترتب على هذا الفعل حكم لعامة الناس لبينه لهم فإن الأحكام العامة لا بد من بيانها فليس في المقام ما يصلح للتمسك به في الجواز إلا حديث عائشة الآتي إن صلح للاحتجاج .
ومن جملة المستدلين بحديث ابن عمر القائلون بكراهة التنزيه وفيه ما مر . وبقية الكلام على الحديث تقدمت في الباب الأول