- الحديث أخرجه أيضا مالك . وفي الباب عن أبي أيوب في الصحيحين كما سيأتي وعن سلمان في مسلم . وعن عبد الله بن الحارث بن جزء في ابن ماجه وابن حبان . وعن معقل بن أبي معقل في أبي داود . وعن سهل بن حنيف في مسند الدارمي وزيادة [ ص 94 ] لا يستطب بيمينه هي أيضا في المتفق عليه من حديث أبي قتادة بلفظ : ( فلا يمس ذكره بيمينه وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه ) قال ابن منده : مجمع على صحته وزيادة : ( وكان يأمر بثلاثة أحجار ) أخرجها أيضا ابن خزيمة وابن حبان والدارمي وأبو عوانة في صحيحه والشافعي من حديث أبي هريرة بلفظ : ( وليستنج أحدكم بثلاثة أحجار ) وأخرجها أحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني وصححها من حديث عائشة بلفظ : ( فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطب بهن فإنها تجزئ عنه ) وأخرجها مسلم من حديث سلمان وأبو داود من حديث خزيمة بن ثابت بلفظ : ( فليستنج بثلاثة أحجار ) وعند مسلم من حديث سلمان بلفظ ( أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا نجتزئ بأقل من ثلاثة أحجار ) .
والحديث يدل على المنع من استقبال القبلة واستدبارها بالبول والغائط وقد اختلف الناس في ذلك على أقوال : .
الأول لا يجوز ذلك لا في الصحارى ولا في البنيان وهو قول أبي أيوب الأنصاري الصحابي ومجاهد وإبراهيم النخعي والثوري وأبي ثور وأحمد في رواية كذا قاله النووي في شرح مسلم ونسبه في البحر إلى الأكثر ورواه ابن حزم في المحلى عن أبي هريرة وابن مسعود وسراقة بن مالك وعطاء والأوزاعي . وعن السلف من الصحابة والتابعين .
المذهب الثاني الجواز في الصحارى والبنيان وهو مذهب عروة بن الزبير وربيعة شيخ مالك وداود الظاهري كذا رواه النووي في شرح مسلم عنهم وهو مذهب الأمير الحسين .
المذهب الثالث أنه يحرم في الصحارى لا في العمران وإليه ذهب مالك والشافعي وهو مروي عن العباس بن عبد المطلب وعبد الله بن عمر والشعبي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه صرح بذلك النووي في شرح مسلم أيضا وزاد في البحر عبد الله بن العباس ونسبه في الفتح إلى الجمهور .
المذهب الرابع أنه لا يجوز الاستقبال لا في الصحارى ولا في العمران ويجوز الاستدبار فيهما وهو أحد الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد .
المذهب الخامس أن النهي للتنزيه فيكون مكروها وإليه ذهب الإمام القاسم بن إبراهيم وأشار إليه في الأحكام وحصله القاضي زيد لمذهب الهادي عليه السلام ونسبه في البحر إلى المؤيد بالله وأبي طالب والناصر والنخعي وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة وأحمد بن حنبل وأبي ثور وأبي أيوب الأنصاري .
المذهب السادس جواز الاستدبار في البنيان فقط وهو قول أبي يوسف ذكره في [ ص 95 ] الفتح .
المذهب السابع التحريم مطلقا حتى في القبلة المنسوخة وهي بيت المقدس وهو محكي عن إبراهيم وابن سيرين ذكره أيضا في الفتح وقد ذهب إلى عدم الفرق بين القبلتين الهادوية ولكنهم صرحوا بأنه مكروه فقط .
المذهب الثامن أن التحريم مختص بأهل المدينة ومن كان على سمتهم فأما من كانت قبلته في جهة المشرق أو المغرب فيجوز له الاستقبال والاستدبار مطلقا قاله أبو عوانة صاحب المزني هكذا في الفتح .
احتج أهل المذهب الأول بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي مطلقا كحديث الباب وحديث أبي أيوب وحديث سلمان وغيرها عن غيرهم كما تقدم قالوا : لأن المنع ليس إلا لحرمة القبلة وهذا المعنى موجود في الصحارى والبنيان ولو كان مجرد الحائل كافيا لجاز في الصحارى لوجود الحائل من جبل أو واد أو غيرهما من أنواع الحائل . وأجابوا عن حديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستقبل الشام مستدبر الكعبة بأنه ليس فيه أنه كان ذلك بعد النهي وبأنه موافق لما كان عليه الناس قبل النهي فهو منسوخ صرح بذلك ابن حزم . وعن حديث جابر الذي قال فيه : ( نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستقبل القبلة ببول فرأيته قبل أن يقبض بعام يستقبلها ) بأن فيه أبان بن صالح وليس بالمشهور قاله ابن حزم . وفيه أنه قد حسن الحديث الترمذي والبزار وصححه البخاري وابن السكن والأولى في الجواب عنه أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم لا يعارض القول الخاص بنا كما تقرر في الأصول . وعن حديث عائشة قالت : ( ذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ناسا يكرهون أن يستقبلوا القبلة بفروجهم فقال أو قد فعلوها حولوا مقعدي قبل القبلة ) بأنه من طريق خالد بن أبي الصلت وهو مجهول لا ندري من هو . قاله ابن حزم وقال الذهبي في ترجمته : إن حديث حولوا مقعدي منكر وفيه أنه قال النووي في شرح مسلم أن إسناده حسن .
واحتج أهل المذهب الثاني بحديث ابن عمر وجابر وعائشة وسيأتي ذكر من أخرجها في الباب الذي بعد هذا وقالوا : إنها ناسخة للنهي .
واحتج أهل المذهب الثالث بحديث ابن عمر وعائشة لأن ذلك كان في البنيان قالوا : وبهذا حصل الجمع بين الأحاديث والجمع بينها ما أمكن هو الواجب قال الحافظ في الفتح : وهو أعدل الأقوال لإعماله جميع الأدلة اه . ويرده حديث جابر الآتي فإنه لم يقيد الاستقبال فيه بالبنيان وقد يجاب بأنها حكاية فعل لا عموم لها وسيأتي تحقيق الكلام في الباب الذي بعد هذا .
وما روي عن ابن عمر أنه قال : إنما نهى عن ذلك في الفضاء كما سيأتي يؤيد هذا المذهب .
واحتج أهل [ ص 96 ] المذهب الرابع بحديث سلمان الذي في صحيح مسلم وليس فيه إلا النهي عن الاستقبال فقط وهو باطل لأن النهي عن الاستدبار في الأحاديث الصحيحة وهو زيادة يتعين الأخذ بها .
واحتج أهل المذهب الخامس بحديث عائشة وجابر وابن عمر وسيأتي ذكر ذلك قالوا : إنها صارفة للنهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم إلى الكراهة وهو لا يتم في حديث ابن عمر وجابر لأنه ليس فيهما إلا مجرد الفعل وهو لا يعارض القول الخاص بنا كما تقرر في الأصول ولا شك أن قوله ( لا تستقبلوا القبلة ) خطاب للأمة نعم إن صح حديث عائشة لذلك .
واحتج أهل المذهب السادس بحديث ابن عمر لأن فيه أنه رآه مستدبر القبلة مستقبل الشام وفيه ما سلف .
واحتج أهل المذهب السابع بما رواه أبو داود قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نستقبل القبلتين ببول أو بغائط ) رواه أبو داود وابن ماجه قال الحافظ في الفتح : وهو حديث ضعيف لأن فيه راويا مجهول الحال وعلى تقدير صحته فالمراد بذلك أهل المدينة ومن على سمتها لأن استقبالهم بيت المقدس يستلزم استدبارهم الكعبة فالعلة استدبار الكعبة لا استقبال بيت المقدس . وقد ادعى الخطابي الإجماع على عدم تحريم استقبال بيت المقدس لمن لا يستدبر في استقباله الكعبة وفيه نظر لما ذكرنا عن إبراهيم وابن سيرين انتهى . وقد نسبه في البحر إلى عطاء والزهري والمنصور بالله والمذهب .
واحتج أهل المذهب الثامن بعموم قوله ( شرقوا أو غربوا ) وهو استدلال في غاية الركة والضعف .
إذا عرفت هذه المذاهب وأدلتها لم يخف عليك ما هو الصواب منها وسيأتيك التصريح به والمقام من معارك النظار فتدبره .
وفي الحديث أيضا دلالة على أنه يجب الاستنجاء بثلاثة أحجار ولا يجوز الاستنجاء بدونها لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الاستنجاء بدون ثلاثة أحجار وأما بأكثر من ثلاث فلا بأس به لأنه أدخل في الانقاء .
وقد ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبو ثور إلى وجوب الاستنجاء وأنه يجب أن يكون بثلاثة أحجار أو ثلاث مسحات وإذا استنجى للقبل والدبر وجب ست مسحات لكل واحد ثلاث مسحات قالوا : والأفضل أن يكون بست أحجار فإن اقتصر على حجر واحد له ست أحرف أجزأه وكذلك تجزئ الخرقة الصفيقة التي إذا مسح بأحد جانبيها لا يصل البلل إلى الجانب الآخر قالوا : وتجب الزيادة على ثلاثة أحجار وإن لم يحصل الانقاء بها .
وذهب مالك وداود إلى أن الواجب الانقاء فإن حصل بحجر أجزأه وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أنه ليس بواجب وإنما يجب عند [ ص 97 ] الهادوية على المتيمم إذا لم يستنج بالماء لإزالة النجاسة قالوا : إذ لا دليل على الوجوب كذا في البحر .
وفيه أنه قد ثبت الأمر بالاستجمار والنهي عن تركه بل النهي عن الاستجمار بدون الثلاث فكيف يقال لا دليل على الوجوب .
وفي الحديث أيضا النهي عن الاستطابة باليمين . قال النووي : وقد أجمع العلماء على أنه منهي عنه ثم الجمهور على أنه نهي تنزيه وأدب لا نهي تحريم . وذهب بعض أهل الظاهر إلى أنه حرام قال : وأشار إلى تحريمه جماعة من أصحابنا انتهى . قلت : وهو الحق لأن النهي يقتضي التحريم ولا صارف له فلا وجه للحكم بالكراهة فقط .
وفي الحديث أيضا دلالة على كراهة الاستجمار بالروثة وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم عند البخاري أنه قال : إنها ركس ولم يستجمر بها وكذلك الرمة وهي العظم لأنها من طعام الجن . وسيأتي الكلام عن ذلك في باب النهي عن الاستجمار بدون الثلاثة الأحجار