- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ( وتحليلها التسليم ) هو من رواية علي ابن أبي طالب Bه وقد تقدم لفظه وذكر من خرجه والكلام عليه في باب افتراض افتتاح الصلاة بالتكبير وهو من جملة ما تمسك به القائلون بوجوب التسليم لأن الإضافة في قوله ( وتحليلها ) تقتضي الحصر فكأنه قال جميع [ ص 344 ] تحليلها التسليم أي انحصر تحليلها في التسليم لا تحليل لها غيره وسيأتي ذكر القائلين بالوجوب وذكر الجواب عليهم . وأما حديث ابن مسعود فقال البيهقي في الخلافيات : إنه كالشاذ من قول عبد الله وإنما جعله كالشاذ لأن أكثر أصحاب الحسن بن الحر لم يذكروا هذه الزيادة لا من قول ابن مسعود مفصولة من الحديث ولا مدرجة في آخره وإنما رواه بهذه الزيادة عبد الرحمن بن ثابت عن الحسن فجعلها من قول ابن مسعود وزهير بن معاوية عن الحسن فأدرجها في آخر الحديث في قول أكثر الرواة عنه ورواها شبابة بن سوار عنه مفصولة كما ذكر الدارقطني . وقد روى البيهقي من طريق أبي الأحوص عن ابن مسعود ما يخالف هذه الزيادة بلفظ : ( مفتاح الصلاة التكبير وانقضاؤها التسليم إذا سلم الإمام فقم إن شئت ) قال : وهذا الأثر صحيح عن ابن مسعود . وقال ابن حزم : قد صح عن ابن مسعود إيجاب السلام فرضا وذكر رواية أبي الأحوص هذه عنه . قال البيهقي : إن تعليم النبي صلى الله عليه وآله وسلم التشهد لابن مسعود كان قبل فرض التسليم ثم فرض بعد ذلك . وقد صرح بأن تلك الزيادة المذكورة في حديث الباب مدرجة جماعة من الحفاظ منهم الحاكم والبيهقي والخطيب وقال البيهقي في المعرفة : ذهب الحفاظ إلى أن هذا وهم من زهير بن معاوية . وقال النووي في الخلاصة : اتفق الحفاظ على أنها مدرجة انتهى . وقد رواه عن الحسن بن الحر حسين الجعفي ومحمد بن عجلان ومحمد بن أبان فاتفقوا على ترك هذه الزيادة في آخر الحديث مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره عن ابن مسعود على ذلك .
( والحديث ) يدل على عدم وجوب السلام وقد ذهب إلى ذلك أبو حنيفة والناصر وروى ذلك الترمذي عن أحمد وإسحاق بن راهويه . ورواه أيضا عن بعض أهل العلم . قال العراقي : وروي عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود . وذهب إلى الوجوب أكثر العترة والشافعي قال النووي في شرح مسلم : وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم .
( واحتجوا ) بحديث تحليلها التسليم وهو لا ينتهض للاحتجاج به إلا بعد تسليم تأخره عن حديث المسيء لما عرفناك في شرحه من أنه لا يثبت الوجوب إلا بما علم تأخره عنه لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز بالإجماع لا سيما وقد ثبت في بعض الروايات : ( فإذا فعلت ذلك فقد تمت صلاتك ) كما قدمنا ذلك . إذا عرفت هذا تبين لك أن هذا الحديث لا يكون حجة يجب التسليم لها إلا بعد العلم بتأخره . ويؤيد [ ص 345 ] القول بعدم الوجوب حديث ابن مسعود المذكور في الباب وحديث ابن عمر قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته ) أخرجه أبو داود والترمذي وقال : ليس إسناده بذاك القوي وقد اضطربوا في إسناده وإنما أشار إلى عدم قوة إسناده لأن فيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وقد ضعفه بعض أهل العلم . وقال النووي في شرح المهذب : إنه ضعيف باتفاق الحفاظ وفيه نظر فإنه قد وثقه غير واحد منهم زكريا الساجي وأحمد بن صالح المصري وقال يعقوب بن سفيان : لا بأس به وقال يحيى بن معين : ليس به بأس . وأما الاستدلال للوجوب بحديث سمرة بن جندب المتقدم فهو أيضا لا ينتهض لذلك إلا بعد تسليم تأخره لما عرفت على أنه أخص من الدعوى لأن غاية ما فيه أمر المؤتمين بالرد على الإمام والتسليم على بعضهم بعضا وليس فيه ذكر المنفرد والإمام على أن الأمر بالرد على الإمام صيغته غير صيغة السلام الذي للخروج الذي هو محل النزاع فلا يصلح للتمسك به على الوجوب . وأما اعتذار صاحب ضوء النهار عن الحديث بهجر ظاهره بإسقاط التحاب المذكور فيه فغير صحيح لأن التحاب المأمور به هو الموالاة بين المؤمنين وهي واجبة فلم يهجر ظاهره .
وقد احتج المهدي في البحر بقوله تعالى { ويسلموا تسليما } وبقوله تعالى { فسلموا } وهو غفلة عن سببهما ( فإن قال ) الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب لزمه إيجاب السلام في غير الصلاة وقد أجمع الناس على عدم وجوبه فإن قال الإجماع صارف عن وجوبه خارج الصلاة قلنا سلمنا فحديث المسيء صارف عن الوجوب في محل النزاع مع عدم العلم بالتأخر