- الحديث قال أبو بكر البزار أيضا : هو أصح حديث في التشهد قال : وقد روي من نيف وعشرين طريقا وسرد أكثرها .
وممن جزم بذلك البغوي في شرح السنة وقال مسلم : إنما أجمع الناس على تشهد ابن مسعود لأن أصحابه لا يخالف بعضهم بعضا وغيره قد اختلف أصحابه . وقال الذهلي : إنه أصح حديث روي في التشهد ومن مرجحاته أنه متفق عليه دون غيره وأن رواته لم يختلفوا في حرف منه بل نقلوه مرفوعا على صفة واحدة وقد روى التشهد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من الصحابة غير ابن مسعود منهم ابن عباس وسيأتي حديثه . ومنهم جابر أخرج حديثه النسائي وابن ماجه والترمذي في العلل والحاكم ورجاله ثقات . ومنهم عمر أخرج حديثه مالك والشافعي والحاكم والبيهقي روي مرفوعا . وقال الدارقطني : لم يختلفوا في أنه موقوف عليه . ومنهم ابن عمر أخرج حديثه أبو داود والدارقطني والطبراني . ومنهم علي أخرج حديثه الطبراني بإسناد ضعيف . ومنهم أبو موسى أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والطبراني . ومنهم عائشة أخرجه الحسن بن سفيان في مسنده والبيهقي ورجح الدارقطني وقفه . ومنهم سمرة أخرجه أبو داود وإسناده ضعيف . ومنهم ابن الزبير أخرجه الطبراني وقال : تفرد به ابن لهيعة . ومنهم معاوية [ ص 313 ] أخرجه الطبراني وإسناده حسن قاله الحافظ . ومنهم سلمان أخرجه الطبراني والبزار وإسناده ضعيف . ومنهم أبو حميد أخرجه الطبراني . ومنهم أبو بكر أخرجه البزار وإسناده حسن وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا . ومنهم الحسين بن علي أخرجه الطبراني . ومنهم طلحة بن عبيد الله قال الحافظ : وإسناده حسن . ومنهم أنس قال : وإسناده صحيح . ومنهم أبو هريرة قال : وإسناده صحيح أيضا . ومنهم أبو سعيد قال : وإسناده صحيح أيضا . ومنهم الفضل بن عباس وأم سلمة وحذيفة والمطلب بن ربيعة وابن أبي أوفى وفي أسانيدهم مقال وبعضها مقارب .
قوله ( التحيات لله ) هي جمع تحية قال الحافظ : ومعناها السلام وقيل البقاء وقيل العظمة وقيل السلامة من الآفات والنقص وقيل الملك . قال المحب الطبري : يحتمل أن يكون لفظ التحية مشتركا بين هذه المعاني . وقال الخطابي والبغوي : المراد بالتحيات أنواع التعظيم .
قوله ( والصلوات ) قيل المراد الخمس وقيل أعم وقيل العبادات كلها وقيل الدعوات وقيل الرحمة وقيل التحيات العبادات القولية والصلوات العبادات الفعلية والطيبات العبادات المالية كذا قال الحافظ .
قوله ( والطيبات ) قيل هي ما طاب من الكلام . وقيل ذكر الله وهو أخص . وقيل الأعمال الصالحة وهو أعم .
قال البيضاوي : يحتمل أن يكون والصلوات والطيبات عطفا على التحيات ويحتمل أن تكون الصلوات مبتدأ خبره محذوف والطيبات معطوفة عليها . قال ابن مالك : إذا جعلت التحيات مبتدأ ولم يكن صفة لموصوف محذوف كان قولك والصلوات مبتدأ لئلا يعطف نعت على منعوته فيكون من باب عطف الجمل بعضها على بعض فكل جملة مستقلة وهذا المعنى لا يوجد عند إسقاط الواو .
قوله ( السلام ) قال الحافظ في التلخيص : أكثر الروايات فيه يعني حديث ابن مسعود بتعريف السلام في الموضعين ووقع في رواية للنسائي سلام علينا بالتنكير وفي رواية للطبراني سلام عليك بالتنكير . وقال في الفتح : لم يقع في شيء من طرق حديث ابن مسعود بحذف اللام وإنما اختلف في ذلك في حديث ابن عباس قال النووي : لا خلاف في جواز الأمرين ولكن بالألف واللام أفضل وهو الموجود في روايات صحيحي البخاري ومسلم وأصله النصب وعدل إلى الرفع على الابتداء للدلالة على الدوام والثبات .
والتعريف فيه بالألف واللام إما للعهد التقديري أي السلام الذي وجه إلى الرسل والأنبياء عليك أيها النبي أو للجنس أي السلام المعروف لكل أحد وهو اسم من أسماء الله تعالى ومعناه التعويذ بالله والتحصين أو هو السلامة من كل عيب وآفة ونقص وفساد . قال البيضاوي : علمهم [ ص 314 ] أن يفردوه صلى الله عليه وآله وسلم بالذكر لشرفه ومزيد حقه عليهم ثم علمهم أن يخصوا أنفسهم لأن الاهتمام بها أهم ثم أمرهم بتعميم السلام على الصالحين إعلاما منه بأن الدعاء للمؤمنين ينبغي أن يكون شاملا لهم اه والمراد بقوله رحمة الله إحسانه . وقوله وبركاته زيادة من كل خير قاله الحافظ .
قوله ( أشهد أن لا إله إلا الله ) زاد بن أبي شيبة وحده لا شريك له قال الحافظ في الفتح : وسنده ضعيف لكن ثبتت هذه الرواية في حديث أبي موسى عند مسلم . وفي حديث عائشة الموقوف في الموطأ . وفي حديث ابن عمر عند الدارقطني وعند أبي داود عن ابن عمر أنه قال : زدت فيها وحده لا شريك له وإسناده صحيح .
قوله ( وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) سيأتي في حديث ابن عباس بدون قوله عبده . وقد أخرج عبد الرزاق عن عطاء : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر رجلا أن يقول عبده ورسوله ) ورجاله ثقات لولا إرساله .
قوله ( فإنكم إذا فعلتم ذلك ) في لفظ للبخاري : فإنكم إذا قلتموها والمراد قوله وعلى عباد الله الصالحين وهو كلام معترض بين قوله الصالحين وبين قوله أشهد .
قوله ( على كل عبد صالح ) استدل به على أن الجمع المضاف والجمع المحلى باللام يعم .
قوله ( في السماء والأرض ) في رواية بين السماء والأرض أخرجها الإسماعيلي وغيره .
قوله ( ثم يتخير من المسألة ) قد قدمنا في باب الأمر بالتشهد الأول اختلاف الروايات في هذه الكلمة وفي ذلك دليل على مشروعية الدعاء في الصلاة قبل السلام من أمور الدنيا والآخرة ما لم يكن إثما وإلى ذلك ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة : لا يجوز إلا بالدعوات المأثورة في القرآن والسنة وقالت الهادوية : لا يجوز مطلقا .
( والحديث ) وغيره من الأدلة المتكاثرة التي فيها الإذن بمطلق الدعاء ومقيدة ترد عليهم ولولا ما رواه ابن رسلان عن البعض من الإجماع على عدم وجوب الدعاء قبل السلام لكان الحديث منتهضا للاستدلال به عليه لأن التخير في آحاد الشيء لا يدل على عدم وجوبه كما قال ابن رشد وهو المتقرر في الأصول إنه قد ذهب إلى الوجوب أهل الظاهر وروي عن أبي هريرة .
( وقد استدل ) بقوله في الحديث : ( إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل ) وبقوله في الرواية الأخرى : ( وأمره أن يعلمه الناس ) القائلون بوجوب التشهد الأخير وهم عمر وابن عمر وأبو مسعود والهادي والقاسم والشافعي وقال النووي في شرح مسلم : مذهب أبي حنيفة ومالك وجمهور الفقهاء أن التشهدين سنة وإليه ذهب الناصر من أهل البيت عليهم السلام . قال : وروي عن مالك القول بوجوب الأخير .
( واستدل القائلون ) بالوجوب أيضا بقول ابن مسعود : كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد [ ص 315 ] السلام على عباد الله الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي وصححاه وهو مشعر بفرضية التشهد . وأجاب عن ذلك القائلون بعدم الوجوب بأن الأوامر المذكورة في الحديث للإرشاد لعدم ذكر التشهد الأخير في حديث المسيء وعن قول ابن مسعود بأنه تفرد به ابن عيينة كما قال ابن عبد البر ولكن هذا لا يعد قادحا . وأما الاعتذار بعدم الذكر في حديث المسيء فصحيح إلا أن يعلم تأخر الأمر بالتشهد عنه كما قدمنا . وأما الاعتذار عن الوجوب بأن الأمر المذكور صرف لهم عما كانوا يقولون من تلقاء أنفسهم فلا يدل على الوجوب أو بأن قول ابن عباس كما يعلمنا السورة يرشد إلى الإرشاد لأن تعليم السورة غير واجب فمما لا يعول عليه .
( ومن جملة ) ما استدل به القائلون بعدم الوجوب ما ثبت في بعض روايات حديث المسيء من قوله A : ( فإذا فعلت هذا فقد تمت صلاتك ) ويتوجه على القائلين بالوجوب إيجاب جميع التشهد وعدم التخصيص بالشهادتين كما قالت الهادوية بنفس الدليل الذي استدلوا به على ذلك .
وقد اختلف العلماء في الأفضل من التشهدات فذهب الشافعي وبعض أصحاب مالك إلى أن تشهد ابن عباس أفضل لزيادة لفظ المباركات فيه كما يأتي . وقال أبو حنيفة وأحمد وجمهور الفقهاء وأهل الحديث : تشهد ابن مسعود أفضل لما قدمناه من المرجحات وقال مالك : تشهد عمر بن الخطاب أفضل لأنه علمه الناس على المنبر ولم ينازعه أحد ولفظه : ( التحيات لله الزاكيات الطيبات الصلوات لله ) الحديث . وفي رواية بسم الله خير الأسماء قال البيهقي : لم يختلفوا في أن هذا الحديث موقوف على عمر ورواه بعض المتأخرين عن مالك مرفوعا .
قال الحافظ : وهو وهم وقالت الهادوية : أفضلها ما رواه زيد بن علي عن علي عليه السلام ولفظه : ( بسم الله وبالله والحمد لله والأسماء الحسنى كلها لله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ) وضم إليه أبو طالب ما رواه الهادي في المنتخب من زيادة التحيات لله والصلوات والطيبات بعد قوله والأسماء الحسنى كلها لله . قال النووي : واتفق العلماء على جوازها كلها يعني التشهدات الثابتة من وجه صحيح وكذلك نقل الإجماع القاضي أبو الطيب الطبري