- قوله ( أمر ) قال الحافظ : هو بضم الهمزة في جميع الروايات على البناء لما لم يسم فاعله وهو الله جل جلاله . قال البيضاوي : وعرف ذلك بالعرف وذلك يقتضي الوجوب ونظره الحافظ قال : لأنه ليس فيه صيغة أفعل وهو ساقط لأن لفظ أمر أدل على المطلوب من صيغة افعل كما تقرر في الأصول ولكن الذي يتوجه على القول باقتضائه الوجوب على الأمة أنه لا يتم إلا على القول بأن خطابه صلى الله عليه وآله وسلم خطاب لأمته وفيه خلاف معروف ولا شك أن عموم أدلة التأسي تقتضي ذلك وقد أخرجه البخاري في صحيحه من رواية شعبة عن عمرو ابن دينار عن طاوس عن ابن عباس بلفظ ( أمرنا ) وهو دال على العموم .
قوله ( سبعة أعظم ) سمى كل واحد عظما وإن اشتمل على عظام باعتبار الجملة ويجوز أن يكون من باب تسمية الجملة باسم بعضها كذا قال ابن دقيق العيد .
قوله ( ولا يكف شعرا ولا ثوبا ) جملة معترضة بين المجمل والمبين . والمراد بالشعر شعر الرأس . وظاهره أن ترك الكف واجب حال الصلاة لا خارجها ورده القاضي عياض بأنه خلاف ما عليه الجمهور فإنهم كرهوا ذلك للمصلي سواء فعله في الصلاة أو قبل أن يدخلها . قال الحافظ : واتفقوا على أنه لا يفسد الصلاة لكن [ ص 288 ] حكى ابن المنذر عن الحسن وجوب الإعادة . ( قيل ) الحكمة في ذلك أنه إذا رفع ثوبه وشعره عن مباشرة الأرض أشبه المتكبرين .
قوله ( الجبهة ) احتج به من قال بوجوب السجود على الجبهة دون الأنف وإليه ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة : إنه يجزئ السجود على الأنف وحده وقد نقل ابن المنذر إجماع الصحابة على أنه لا يحزئ السجود على الأنف وحده وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية وغيرهم إلى أنه يجب أن يجمعهما وهو قول للشافعي .
( واستدل ) أبو حنيفة بالرواية الثانية من حديث ابن عباس المذكور في الباب لأنه ذكر الجبهة وأشار إلى الأنف فدل على أنه المراد ورده ابن دقيق العيد فقال : إن الإشارة لا تعارض التصريح بالجبهة لأنها قد لا تعين المشار إليه بخلاف العبارة فإنها معينة وفيه أن الإشارة الحسية أقوى من الدلالة اللفظية وعدم التعيين المدعى ممنوع وقد صرح النحاة أن التعيين فيها يقع بالعين والقلب وفي المعرف باللام بالقلب فقط ولهذا جعلوها أعرف منه بل قال ابن السراج : إنها أعرف المعارف .
واستدل القائلون بوجوب الجمع بينهما بالرواية الثالثة من حديث ابن عباس المذكور لأنه جعلهما كعضو واحد ولو كان كل واحد منهما عضوا مستقلا للزم أن تكون الأعضاء ثمانية وتعقب بأنه يلزم منه أن يكتفي بالسجود على الأنف وحده والجبهة وحدها فيكون دليلا لأبي حنيفة لأن كل واحد منهما بعض العضو وهو يكفي كما في غيره من الأعضاء وأنت خبير بأن المشي على الحقيقة هو المتحتم والمناقشة بالمجاز بدون موجب للمصير إليه غير ضائرة . ولا شك أن الجبهة والأنف حقيقة في المجموع ولا خلاف أن السجود على مجموع الجبهة والأنف مستحب . وقد أخرج أحمد من حديث وائل قال : ( رأيت رسول الله A يسجد على الأرض واضعا جبهته وأنفه في سجوده ) وأخرج الدارقطني من طريق عكرمة عن ابن عباس قال : ( قال رسول الله A : لا صلاة لمن لا يصيب أنفه من الأرض ما يصيب الجبين ) قال الدارقطني : الصواب عن عكرمة مرسلا وروى إسماعيل ابن عبد الله المعروف بسمويه في فوائده عن عكرمة عن ابن عباس قال : ( إذا سجد أحدكم فليضع أنفه على الأرض فإنكم قد أمرتم بذلك ) .
قوله ( واليدين ) المراد بهما الكفان بقرينة ما تقدم من النهي عن افتراش السبع والكلب .
قوله ( والرجلين ) وفي الرواية الثانية والثالثة والركبتين والقدمين وهي معينة للمراد من الرجلين في الرواية الأولى .
( والحديث ) يدل على وجوب السجود على السبعة الأعضاء جميعا وقد تقدم الخلاف [ ص 289 ] في ذلك وظاهره أنه لا يجب كشف شيء من هذه الأعضاء لأن مسمى السجود يحصل بوضعها دون كشفها .
قال ابن دقيق العيد : ولم يختلف في أن كشف الركبتين غير واجب لما يحذر فيه من كشف العورة وأما عدم وجوب كشف القدمين فلدليل لطيف وهو أن الشارع وقت المسح على الخف بمدة يقع فيها الصلاة بالخف فلو وجب كشف القدمين لوجب نزع الخف المقتضي لنقض الطهارة فتبطل الصلاة اه ويمكن أن يخص ذلك بلابس الخف لأجل الرخصة . وأما كشف اليدين والجبهة فسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا .
وقد ذهب الهادي والقاسم والشافعي إلى أنه لا يجب الكشف عن شيء من السبعة الأعضاء . وذهب الناصر والمرتضى وأبو طالب والشافعي في أحد قوليه إلى أنه يجب في الجبهة دون غيرها . وقال المؤيد بالله وأبو حنيفة : إنه يجزئ السجود على كور العمامة وفي قول للشافعي إنه يجب كشف اليدين كالجبهة وقال المؤيد بالله وأبو حنيفة وأهل القول الأول إنه لا يجب كعصابة الحرة وسيأتي الدليل على ذلك