- الحديث قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرف أحدا رواه غير شريك وذكر أنهما ما رواه عن عاصم مرسلا ولم يذكر وائل بن حجر قال اليعمري : من شأن الترمذي التصحيح بمثل هذا الإسناد فقد صحح حديث عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل ( لأنظرن إلى صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما جلس للتشهد ) الحديث وإنما الذي قصر بهذا عن التصحيح عنده الغرابة التي أشار إليها وهي تفرد يزيد بن هارون عن شريك وهو لا يحطه عن درجة الصحيح لجلالة يزيد وحفظه وأما تفرد شريك به عن عاصم وبه صار حسنا فإن شريكا لا يصحح حديثه منفردا هذا معنى كلامه .
وكذلك علل الحديث النسائي بتفرد يزيد بن هارون عن شريك وقال الدارقطني : تفرد به يزيد عن شريك ولم يحدث به عن عاصم بن كليب غير شريك وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به . وقال البيهقي : هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي وإنما تابعه همام مرسلا هكذا ذكر البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين وأخرج الحديث أبو داود من طريق محمد بن جحادة عن عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال المنذري : عبد الجبار بن وائل لم يسمع من أبيه وكذا قال ابن معين وأخرجه أيضا من طريق همام عن شقيق عن عاصم بن كليب عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مرسل . وكذا قال الترمذي وغيره كما تقدم لأن كليب بن شهاب والد عاصم لم يدرك النبي A .
( وفي الباب ) عن [ ص 282 ] أنس : ( أنه صلى الله عليه وآله وسلم انحط بالتكبير فسبقت ركبتاه يديه ) أخرجه الحاكم والبيهقي والدارقطني وقال : تفرد به العلاء بن إسماعيل وهو مجهول وقال الحاكم : هو على شرطهما ولا أعلم له علة وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : إنه منكر .
( الحديث ) يدل على مشروعية وضع الركبتين قبل اليدين ورفعهما عند النهوض قبل رفع الركبتين وإلى ذلك ذهب الجمهور وحكاه القاضي أبو الطيب عن عامة الفقهاء وحكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب والنخعي ومسلم بن يسار وسفيان الثوري وأحمد وإسحاق وأصحاب الرأي قال وبه أقول .
وذهبت العترة والأوزاعي ومالك وابن حزم إلى استحباب وضع اليدين قبل الركبتين وهي رواية عن أحمد وروى الحازمي عن الأوزاعي أنه قال : أدركت الناس يضعون أيديهم قبل ركبهم قال ابن أبي داود : وهو قول أصحاب الحديث .
( واحتجوا ) بحديث أبي هريرة الآتي وهو أقوى لأن له شاهدا من حديث ابن عمر أخرجه ابن خزيمة وصححه وذكره البخاري تعليقا موقوفا كذا قال الحافظ في بلوغ المرام . وقد أخرجه الدارقطني والحاكم في المستدرك مرفوعا بلفظ : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سجد يضع يديه قبل ركبتيه ) وقال : على شرط مسلم .
( وأجاب الأولون ) عن ذلك بأجوبة : منها أن حديث أبي هريرة وابن عمر منسوخان بما أخرج ابن خزيمة في صحيحه من حديث مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال : ( كنا نضع اليدين قبل الركبتين فأمرنا أن نضع الركبتين قبل اليدين ) ولكنه قال الحازمي في إسناده مقال ولو كان محفوظا لدل على النسخ غير أن المحفوظ عن مصعب عن أبيه حديث نسخ التطبيق . وقال الحافظ في الفتح : إنه من أفراد إبراهيم بن إسماعيل بن سلمة بن كهيل عن أبيه وهما ضعيفان وقد عكس ابن حزم فجعل حديث أبي هريرة في وضع اليدين قبل الركبتين ناسخا لما خالفه . ومنها ما جزم به ابن القيم في الهدي أن حديث أبي هريرة الآتي انقلب متنه على بعض الرواة قال : ولعله وليضع ركبتيه قبل يديه قال : وقد رواه كذلك أبو بكر ابن أبي شيبة فقال حدثنا محمد بن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( إذا سجد أحدكم فليبدأ بركبتيه قبل يديه ولا يبرك كبروك الفحل ) ورواه الأثرم في سننه أيضا عن أبي بكر كذلك وقد روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يصدق ذلك ويوافق حديث وائل بن حجر .
قال ابن أبي داود حدثنا يوسف بن عدي حدثنا ابن فضيل عن عبد الله بن سعيد عن جده عن أبي هريرة : ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا سجد بدأ بركبتيه قبل يديه ) اه ولكنه قد [ ص 283 ] ضعف عبد الله بن سعيد يحيى القطان وغيره قال أبو أحمد الحاكم : إنه ذاهب الحديث . وقال أحمد بن حنبل : هو منكر الحديث متروك الحديث . وقال يحيى بن معين : ليس بشيء لا يكتب حديثه وقال أبو زرعة : هو ضعيف لا يوقف منه على شيء وقال أبو حاتم : ليس بقوي . وقال ابن عدي : عامة ما يرويه الضعف عليه بين .
( ومما أجاب به ابن القيم ) عن حديث أبي هريرة أن أوله يخالف آخره قال : فإنه إذا وضع يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير فإن البعير إنما يضع يديه أولا قال : ولما علم أصحاب هذا القول ذلك قالوا ركبتا البعير في يديه لا في رجليه فهو إذا برك وضع ركبتيه أولا فهذا هو المنهي عنه قال : وهو فاسد لوجوه حاصلها : أن البعير إذا برك يضع يديه ورجلاه قائمتان وهذا هو المنهي عنه وإن القول بأن ركبتي البعير في يديه لا يعرفه أهل اللغة وأنه لو كان الأمر كما قالوا لقال صلى الله عليه وآله وسلم فليبرك كما يبرك البعير لأن أول ما يمس الأرض من البعير يداه .
ومن الأجوبة التي أجاب بها الأولون عن حديث أبي هريرة الآتي أن حديث وائل أرجح منه كما قال الخطابي وغيره ويجاب عنه بأن المقال الذي سيأتي على حديث أبي هريرة لا يزيد على المقال الذي تقدم في حديث وائل على أنه قد رجحه الحافظ كما عرفت وكذلك الحافظ ابن سيد الناس قال : أحاديث وضع اليدين قبل الركبتين أرجح وقال : ينبغي أن يكون حديث أبي هريرة داخلا في الحسن على رسم الترمذي لسلامة رواته من الجرح . ومنها الاضطراب في حديث أبي هريرة فإن منهم من يقول وليضع يديه قبل ركبتيه . ومنهم من يقول بالعكس كما تقدم . ومنهم من يقول وليضع يديه على ركبتيه كما رواه البيهقي . ومنها أن حديث وائل موافق لما نقل عن الصحابة كعمر بن الخطاب وابنه وعبد الله بن مسعود . ومنها أن لحديث وائل شواهد من حديث أنس وابن عمر ويجاب عنه بأن لحديث أبي هريرة شواهد كذلك . ومنها أنه مذهب الجمهور .
( ومن المرجحات ) لحديث أبي هريرة أنه قول وحديث وائل حكاية فعل والقول أرجح مع أنه تقرر في الأصول أن فعله A لا يعارض قوله الخاص بالأمة ومحل النزاع من هذا القبيل .
وأيضا حديث أبي هريرة مشتمل على النهي المقتضي للحظر وهو مرجح مستقل وهذا خلاصة ما تكلم به الناس في هذه المسألة وقد أشرنا إلى تزييف البعض منه والمقام من معارك الأنظار ومضايق الأفكار ولهذا قال النووي لا يظهر له ترجيح أحد المذهبين .
وأما الحافظ ابن القيم فقد رجح حديث وائل بن حجر وأطال الكلام في ذلك وذكر عشرة مرجحات قد أشرنا ههنا إلى بعضها .
وقد حاول المحقق المقبلي الجمع بين الأحاديث بما [ ص 284 ] حاصله أن من قدم يديه أو قدم ركبتيه وأفرط في ذلك بمباعدة سائر أطرافه وقع في الهيئة المنكرة ومن قارب بين أطرافه لم يقع فيها سواء قدم اليدين أو الركبتين وهو مع كونه جمعا لم يسبقه إليه أحد تعطيل لمعاني الأحاديث وإخراج لها عن ظاهرها ومصير إلى ما لم يدل عليه دليل . ومثل هذا ما روى البعض عن مالك من جواز الأمرين ولكن المشهور عنه ما تقدم