- الحديث أخرجه البيهقي بزيادة : ( فما زالت تلك صلاته حتى لقي الله تعالى ) قال ابن المديني : هذا الحديث عندي حجة على الخلق كل من سمعه فعليه أن يعمل به لأنه ليس في إسناده شيء . وقد صنف البخاري في هذه المسألة جزءا مفردا وحكى فيه عن الحسن وحميد ابن هلال أن الصحابة كانوا يفعلون ذلك يعني الرفع في الثلاثة المواطن ولم يستثن الحسن أحدا [ ص 193 ] قال ابن عبد البر : كل من روي عنه ترك الرفع في الركوع والرفع منه روي عنه فعله إلا ابن مسعود . وقال محمد بن نصر المروزي : أجمع علماء الأمصار على مشروعية ذلك إلا بأهل الكوفة .
وقال ابن عبد الحكم : لم يرو أحد عن مالك ترك الرفع فيهما إلا ابن القاسم والذي نأخذ به الرفع على حديث ابن عمر وهو الذي رواه ابن وهب وغيره عن مالك ولم يحك الترمذي عن مالك غيره .
ونقل الخطابي وتبعه القرطبي في المفهم أنه آخر قول مالك . وإلى الرفع في الثلاثة المواطن ذهب الشافعي وأحمد وجمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم وروي عن مالك والشافعي قول : إنه يستحب رفعهما في موضع رابع وهو إذا قام من التشهد الأوسط . قال النووي : وهذا القول هو الصواب فقد صح في حديث ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يفعله رواه البخاري . وصح أيضا من حديث أبي حميد الساعدي رواه أبو داود والترمذي بأسانيد صحيحة وسيأتي ذلك . وقال أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من أهل الكوفة : لا يستحب في غير تكبيرة الإحرام قال النووي : وهو أشهر الروايات عن مالك .
( واحتجوا ) على ذلك بحديث البراء بن عازب عند أبي داود والدارقطني بلفظ : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ثم لم يعد ) وهو من رواية يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه .
وقد اتفق الحفاظ أن قوله ثم لم يعد مدرج في الخبر من قول يزيد بن أبي زياد . وقد رواه بدون ذلك شعبة والثوري وخالد الطحان وزهير وغيرهم من الحفاظ . وقال الحميدي : إنما روى هذه الزيادة يزيد ويزيد يزيد . وقال أحمد بن حنبل : لا يصح وكذا ضعفه البخاري وأحمد ويحيى والدارمي والحميدي وغير واحد . قال يحيى بن محمد بن يحيى : سمعت أحمد بن حنبل يقول هذا الحديث حديث واه . وكان يزيد يحدث به برهة من دهره لا يقول فيه ثم لا يعود فلما لقنوه يعني أهل الكوفة تلقن وكان يذكرها وهكذا قال علي بن عاصم . قال البيهقي : اختلف فيه على عبد الرحمن بن أبي ليلى . وقال البزار : قوله في الحديث ( ثم لم يعد ) لا يصح . وقال ابن حزم : إن صح قوله لا يعود دل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك لبيان الجواز فلا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر وغيره .
( واحتجوا ) أيضا بما روي عن عبد الله بن مسعود من طريق عاصم بن كليب عن عبد الرحمن بن الأسود [ ص 194 ] عن علقمة عنه عند أحمد وأبي داود والترمذي أنه قال : ( لأصلين لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى فلم يرفع يديه إلا مرة واحدة ) ورواه ابن عدي والدارقطني والبيهقي من حديث محمد بن جابر عن حماد بن إبراهيم عن علقمة عنه بلفظ : ( صليت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر فلم يرفعوا أيديهم إلا عند الاستفتاح ) وهذا الحديث حسنه الترمذي وصححه ابن حزم ولكنه عارض هذا التحسين والتصحيح قول ابن المبارك لم يثبت عندي وقول ابن أبي حاتم هذا حديث خطأ وتضعيف أحمد وشيخه يحيى بن آدم له وتصريح أبي داود بأنه ليس بصحيح وقول الدارقطني أنه لم يثبت وقول ابن حبان هذا أحسن خبر روى أهل الكوفة في نفي رفع اليدين في الصلاة عند الركوع وعند الرفع منه وهو في الحقيقة أضعف شيء يعول عليه لأن له عللا تبطله .
قال الحافظ : وهؤلاء الأئمة إنما طعنوا كلهم في طريق عاصم بن كليب أما طريق محمد بن جابر فذكرها ابن الجوزي في الموضوعات وقال عن أحمد : محمد بن جابر لا شيء ولا يحدث عنه إلا من هو شر منه .
( واحتجوا ) أيضا بما روي عن ابن عمر عند البيهقي في الخلافيات بلفظ : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ثم لا يعود ) قال الحافظ : وهو مقلوب موضوع .
( واحتجوا ) أيضا بما روي عن ابن عباس أنه قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يرفع يديه كلما ركع وكلما رفع ثم صار إلى افتتاح الصلاة وترك ما سوى ذلك ) حكاه ابن الجوزي وقال : لا أصل له ولا أعرف من رواه .
والصحيح عن ابن عباس خلافه ورووا نحو ذلك عن ابن الزبير قال ابن الجوزي : لا أصل له ولا أعرف من رواه والصحيح عن ابن الزبير خلافه . قال ابن الجوزي : وما أبلد من يحتج بهذه الأحاديث لتعارض بها الأحاديث الثابتة انتهى .
ولا يخفى على المنصف أن هذه الحجج التي أوردوها منها ما هو متفق على ضعفه وهو ما عدا حديث ابن مسعود منها كما بينا ومنها ما هو مختلف فيه وهو حديث ابن مسعود لما قدمنا من تحسين الترمذي وتصحيح ابن حزم له ولكن أين يقع هذا التحسين والتصحيح من قدح أولئك الأئمة الأكابر فيه غاية الأمر ونهايته أن يكون ذلك الاختلاف موجبا لسقوط الاستدلال به ثم لو سلمنا صحة حديث ابن مسعود ولم نعتبر بقدح أولئك الأئمة فيه فليس بينه وبين الأحاديث المثبتة للرفع في الركوع والاعتدال منه تعارض [ ص 195 ] لأنها متضمنة للزيادة التي لا منافاة بينها وبين المزيد وهي مقبولة بالإجماع لا سيما وقد نقلها جماعة من الصحابة واتفق على إخراجها الجماعة فمن جملة من رواها ابن عمر كما في حديث الباب . وعمر كما أخرجه البيهقي وابن أبي حاتم وعلي وسيأتي . ووائل بن حجر عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه ومالك بن الحويرث عند البخاري ومسلم وسيأتي . وأنس بن مالك عند ابن ماجه . وأبو هريرة عند ابن ماجه أيضا وأبي داود . وأبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة عند ابن ماجه . وأبو موسى الأشعري عند الدارقطني . وجابر عند ابن ماجه . وعمير الليثي عند ابن ماجه أيضا . وابن عباس عند ابن ماجه أيضا . وله طريق أخرى عند أبي داود فهؤلاء أربعة عشر من الصحابة ومعهم أبو حميد الساعدي في عشرة من الصحابة كما سيأتي فيكون الجميع خمسة وعشرين أو اثنين وعشرين إن كان أبو أسيد وسهل بن سعد ومحمد بن مسلمة من العشرة المشار إليهم في رواية أبي حميد كما في بعض الروايات فهل رأيت أعجب من معارضة رواية مثل هؤلاء الجماعة بمثل حديث ابن مسعود السابق مع طعن أكثر الأئمة المعتبرين فيه ومع وجود مانع عن القول بالمعارضة وهو تضمن رواية الجمهور للزيادة كما تقدم .
قوله في حديث الباب ( حتى يكونا بحذو منكبيه ) وهكذا في رواية علي وأبي حميد وسيأتي ذكرهما وإلى هذا ذهب الشافعي والجمهور وفي حديث مالك بن الحويرث الآتي حتى يحاذي بهما أذنيه وعند أبي داود من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر أنه جمع بينهما فقال حتى يحاذي بظهر كفيه المنكبين بأطراف أنامله الأذنين . ويؤيده رواية أخرى عن وائل عند أبي داود بلفظ : ( حتى كانتا حيال منكبيه وحاذى بإبهاميه أذنيه ) وأخرج الحاكم في المستدرك والدارقطني من طريق عاصم الأحول عن أنس قال : ( رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كبر فحاذى بإبهاميه أذنيه ) ومن طريق حميد عن أنس : ( كان إذا افتتح الصلاة كبر ثم رفع يديه حتى يحاذي بإبهاميه أذنيه ) وأخرج أبو داود عن ابن عمر : ( أنه كان يرفع يديه حذو منكبيه في الافتتاح وفي غيره دون ذلك ) وأخرج أبو داود أيضا عن البراء : ( أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا افتتح الصلاة رفع يديه إلى قريب من أذنيه ) وفي حديث وائل عند أبي داود أنه رأى الصحابة يرفعون أيديهم إلى صدورهم . والأحاديث الصحيحة وردت بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رفع يديه إلى حذو منكبيه وغيرها لا يخلو عن مقال إلا حديث مالك بن الحويرث .
قوله ( ولا يفعل ذلك حين يسجد ولا حين يرفع رأسه [ ص 196 ] من السجود ) في الرواية الأخرى : ( ولا يرفعهما بين السجدتين ) وسيأتي في حديث علي بلفظ : ( ولا يرفع يديه في شيء من صلاته ) وقد عارض هذه الروايات ما أخرجه أبو داود عن ميمون المكي ( أنه رأى عبد الله بن الزبير يشير بكفيه حين يقوم وحين يركع وحين يسجد وحين ينهض للقيام قال : فانطلقت إلى ابن عباس فقلت : إني رأيت ابن الزبير صلى صلاة لم أر أحدا يصليها فوصفت له هذه الإشارة فقال : إن أحببت أن تنظر إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاقتد بصلاة عبد الله بن الزبير ) وفي إسناده ابن لهيعة وفيه مقال مشهور وأخرج أبو داود والنسائي عن النضر بن كثير السعدي قال : ( صلى إلى جنبي عبد الله بن طاوس في مسجد الخيف فكان إذا سجد السجدة الأولى ورفع رأسه منها رفع يديه تلقاء وجهه فأنكرت ذلك فقلت لوهيب بن خالد فقال له وهيب : تصنع شيئا لم أر أحدا يصنعه فقال ابن طاوس : رأيت أبي يصنعه وقال أبي : رأيت ابن عباس يصنعه ولا أعلم إلا أنه قال : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يصنعه ) وفي إسناده النضر بن كثير وهو ضعيف الحديث . قال الحافظ أبو أحمد النيسابوري : هذا حديث منكر من حديث ابن طاوس وأخرج الدارقطني في العلل من حديث أبي هريرة : ( أنه كان يرفع يديه في كل خفض ورفع ويقول أنا أشبهكم صلاة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وهذه الأحاديث لا تنتهض للاحتجاج بها على الرفع في غير تلك المواطن فالواجب البقاء على النفي الثابت في الصحيحين حتى يقوم دليل صحيح يقتضي تخصيصه كما قام في الرفع عند القيام من التشهد الأوسط وقد تقدم الكلام عليه . وقد ذهب إلى استحبابه في السجود أبو بكر بن المنذر وأبو علي الطبري من أصحاب الشافعي وبعض أهل الحديث