- الحديث صححه ابن حبان ورجاله رجال الصحيح لأن أبا داود رواه عن سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة وهو راشد بن كيسان الكوفي وقد أخرج له مسلم عن يزيد بن الأصم هو العامري التابعي أخرج له مسلم أيضا عن ابن عباس وقد أخرج البخاري في صحيحه قول ابن عباس المذكور تعليقا وإنما لم يذكر البخاري المرفوع للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله قاله الحافظ .
قوله ( ما أمرت ) بضم الهمزة وكسر الميم مبني للمفعول .
قوله ( بتشييد المساجد ) قال البغوي في شرح السنة : التشييد رفع البناء وتطويله ومنه قوله تعالى { بروج مشيدة } وهي التي طول بناؤها يقال شدت الشيء أشيده مثل بعته أبيعه إذا بنيته بالشيد وهو الجص وشيدته تشييدا طولته ورفعته .
وقيل المراد بالبروج المشيدة المجصصة قال ابن رسلان : والمشهور في الحديث أن المراد بتشييد المساجد هنا رفع البناء وتطويله كما قال البغوي وفيه رد على من حمل قوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع } على رفع بنائها وهو الحقيقة بل المراد أن تعظم فلا يذكر فيها الخنى من الأقوال وتطييبها من الأدناس والأنجاس ولا ترفع فيها الأصوات انتهى .
قوله ( قال ابن عباس ) هكذا رواه ابن حبان موقوفا وقبله حديث ابن عباس أيضا مرفوعا وظن [ ص 157 ] الطيبي في شرح المشكاة أنهما حديث واحد فشرحه على أن اللام في لتزخرفها مكسورة قال : وهي لام التعليل للمنفي قبله والمعنى ما أمرت بالتشييد ليجعل ذريعة إلى الزخرفة قال : والنون فيه لمجرد التأكيد وفيه نوع تأنيب وتوبيخ ثم قال : ويجوز فتح اللام على أنها جواب القسم .
قال الحافظ : وهذا يعني فتح اللام هو المعتمد والأول لم تثبت به الرواية أصلا فلا يغتر به . وكلام ابن عباس فيه مفصول من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الكتب المشهورة وغيرها انتهى .
والزخرفة الزينة قال محي السنة أنهم زخرفوا المساجد عندما بدلوا دينهم وحرفوا كتبهم وأنتم تصيرون إلى مثل حالهم وسيصير أمركم إلى المراءاة بالمساجد والمباهاة بتشييدها وتزيينها . قال أبو الدرداء : إذا حليتم مصاحفكم وزوقتم مساجدكم فالدمار عليكم .
قال ابن رسلان : وهذا الحديث فيه معجزة ظاهرة لإخباره صلى الله عليه وآله وسلم عما سيقع بعده فإن تزويق المساجد والمباهاة بزخرفتها كثر من الملوك والأمراء في هذا الزمان بالقاهرة والشام وبيت المقدس بأخذهم أموال الناس ظلما وعمارتهم بها المدارس على شكل بديع نسأل الله السلامة والعافية انتهى .
( والحديث ) يدل على أن تشييد المساجد بدعة وقد روي عن أبي حنيفة الترخيص في ذلك . وروي عن أبي طالب أنه لا كراهة في تزيين المحراب . وقال المنصور بالله : إنه يجوز في جميع المساجد . وقال البدر بن المنير : لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة وتعقب بأن المنع إن كان للحث على إتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشية شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة .
ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك وبأنه بدعة مستحسنة وبأنه مرغب إلى المسجد وهذه حجج لا يعول عليها من له حظ من التوفيق لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه نوع من المباهاة المحرمة وأنه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام . وأنه من صنع اليهود والنصارى وقد كان صلى الله عليه وآله وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليها عموما وخصوصا . ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر ولا ينكره أحد وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين أظهرهم بنعي ذلك عليهم [ ص 158 ] ودعوى أنه بدعة مستحسنة باطلة وقد عرفناك وجه بطلانها في شرح حديث ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة لأن كونه داعيا إلى المسجد ومرغبا إليه لا يكون إلا لمن كان غرضه وغاية قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع وإلا كانت كجسم بلا روح فليست إلا شاغلة عن ذلك كما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في الإنبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم .
وكما تقدم من هتكه للستور التي فيها نقوش . وكما سيأتي في باب تنزيه قبلة المصلي عما يلهي وتقويم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة