- قوله ( من صلاتكم ) قال القرطبي : من للتبعيض والمراد النوافل بدليل ما رواه مسلم من حديث جابر مرفوعا : ( إذا قضى أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبا من صلاته ) وقد حكى القاضي عياض عن بعضهم أن معناه اجعلوا بعض فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد من نسوة وغيرهن . قال الحافظ : وهذا وإن كان محتملا لكن الأول هو الراجح وقد بالغ الشيخ محي الدين فقال : لا يجوز حمله على الفريضة .
قوله ( ولا تتخذوها قبورا ) لأن القبور ليست بمحل للعبادة وقد استنبط البخاري من هذا الحديث كراهية الصلاة في المقابر ونازعه الإسماعيلي فقال : الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر وتعقب بأن الحديث قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ) وقال ابن التين : تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر وتأوله جماعة على أنه إنما فيه الندب إلى الصلاة في البيوت إذ الموتى لا يصلون في بيوتهم وهي القبور قال : فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك .
قال الحافظ : إن أراد لا يؤخذ بطريق المنطوق فمسلم وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا . وقيل يحتمل أن المراد لا تجعلوا [ ص 139 ] البيوت وطن النوم فقط لا تصلون فيها فإن النوم أخو الموت والميت لا يصلي . وقيل يحتمل أن يكون المراد أن من لم يصل في بيته جعل نفسه كالميت وبيته كالقبر . ويؤيده ما رواه مسلم : ( مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه كمثل الحي والميت ) قال الخطابي : وأما من تأوله على النهي عن دفن الموتى في البيوت فليس بشيء فقد دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته الذي كان يسكنه أيام حياته وتعقبه الكرماني بأن قال : لعل ذلك من خصائصه . وقد روي أن الأنبياء يدفنون حيث يموتون كما روى ذلك ابن ماجه بإسناد فيه حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف وله طريق أخرى مرسلة .
قال الحافظ : فإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك بل هو متجه لأن استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر فتصير الصلاة فيها مكروهة . ولفظ أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب وهو قوله : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ) فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا انتهى . وكأن البخاري أشار بترجمة الباب بقوله باب كراهة الصلاة في المقابر إلى حديث أبي سعيد المتقدم لما لم يكن على شرطه