- الحديث أخرجه الشافعي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم قال الترمذي : وهذا حديث فيه اضطراب رواه سفيان الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا .
ورواه حماد بن سلمة عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد ورواه محمد بن إسحاق عن عمرو بن يحيى عن أبيه قال : وكان عامة روايته عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يذكر فيه عن أبي سعيد وكأن رواية الثوري عن عمرو بن يحيى عن أبيه أثبت وأصح انتهى .
وقال الدارقطني في العلل : المرسل المحفوظ ورجح البيهقي المرسل . وقال النووي : هو ضعيف . وقال صاحب الإمام : حاصل [ ص 136 ] ما علل به الإرسال وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول . قال الحافظ : وأفحش ابن دحية فقال في كتاب التنوير له هذا لا يصح من طريق من الطرق كذا قال : فلم يصب انتهى .
( والحديث ) صححه الحاكم في المستدرك وابن حزم الظاهري وأشار ابن دقيق العيد في الإمام إلى صحته . وفي الباب عن علي عند ابن داود . وعن ابن عمر عند الترمذي وابن ماجه وسيأتي . وعن عمر عند ابن ماجه . وعن أبي مرثد الغنوي عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي وسيأتي . وعن جابر وعبد الله بن عمرو بن العاص وعمران بن الحصين ومعقل بن يسار وأنس بن مالك جميعهم عند ابن عدي في الكامل وفي إسناد حديثهم عباد بن كثير ضعيف جدا ضعفه أحمد وابن معين .
قال ابن حزم : أحاديث النهي عن الصلاة إلى القبور والصلاة في المقبرة أحاديث متواترة لا يسع أحدا تركها قال العراقي : إن أراد بالتواتر ما يذكره الأصوليون من أنه رواه عن كل واحد من رواته جمع يستحيل تواطؤهم على الكذب في الطرفين والواسطة فليس كذلك فإنها أخبار آحاد وإن أراد بذلك وصفها بالشهرة فهو قريب وأهل الحديث غالبا إنما يريدون بالمتواتر المشهور انتهى .
وفيه أن المعتبر في التواتر هو أن يروي الحديث المتواتر جمع عن جمع يستحيل تواطؤ كل جمع على الكذب لا أنه يرويه جمع كذلك عن كل واحد من رواته ما لم يعتبره أهل الأصول اللهم إلا أن يريد بكل واحد من رواته كل رتبة من رتب رواته .
قوله ( إلا المقبرة ) مثلثة الباء مفتوحة الميم وقد تكسر الميم وهي المحل الذي يدفن فيه الموتى .
( والحديث ) يدل على المنع من الصلاة في المقبرة والحمام وقد اختلف الناس في ذلك أما المقبرة فذهب أحمد إلى تحريم الصلاة في المقبرة ولم يفرق بين المنبوشة وغيرها ولا بين أن يفرش عليها شيئا يقيه من النجاسة أم لا ولا بين أن يكون في القبور أو في مكان منفرد عنها كالبيت وإلى ذلك ذهبت الظاهرية ولم يفرقوا بين مقابر المسلمين والكفار .
قال ابن حزم : وبه يقول طوائف من السلف فحكي عن خمسة من الصحابة النهي عن ذلك وهم عمر وعلي وأبو هريرة وأنس وابن عباس وقال : ما نعلم لهم مخالفا من الصحابة وحكاه عن جماعة من التابعين إبراهيم النخعي ونافع بن جبير بن مطعم وطاوس وعمرو بن دينار وخيثمة وغيرهم .
وقوله ( لا نعلم لهم مخالفا في الصحابة ) إخبار عن علمه وإلا فقد حكى الخطابي في معالم السنن عن عبد الله بن عمر أنه رخص في الصلاة في المقبرة وحكى أيضا عن الحسن أنه صلى في المقبرة . وقد ذهب إلى تحريم الصلاة على القبر من أهل البيت المنصور بالله [ ص 137 ] والهادوية وصرحوا بعدم صحتها إن وقعت فيها .
وذهب الشافعي إلى الفرق بين المقبرة المنبوشة وغيرها فقال : إذا كانت مختلطة بلحم الموتى وصديدهم وما يخرج منهم لم تجز الصلاة فيها للنجاسة فإن صلى رجل في مكان طاهر منها أجزأته .
وإلى مثل ذلك ذهب أبو طالب وأبو العباس والإمام يحيى من أهل البيت وقال الرافعي : أما المقبرة فالصلاة مكروهة فيها بكل حال . وذهب الثوري والأوزاعي وأبو حنيفة إلى كراهة الصلاة في المقبرة ولم يفرقوا كما فرق الشافعي ومن معه بين المنبوشة وغيرها . وذهب مالك إلى جواز الصلاة في المقبرة وعدم الكراهة والأحاديث ترد عليه .
( وقد احتج له ) بعض أصحابه بما يقضي منه العجب فاستدل له بأنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى على قبر المسكينة السوداء وأحاديث النهي المتواترة كما قال ذلك الإمام لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى الحقيقي له وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل على فساد المنهي عنه فيكون الحق التحريم والبطلان لأن الفساد الذي يقتضيه النهي هو المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة .
وأما الحمام فذهب أحمد إلى عدم صحة الصلاة فيه ومن صلى فيه أعاد أبدا . وقال أبو ثور : لا يصلى في حمام ولا مقبرة على ظاهر الحديث وإلى ذلك ذهبت الظاهرية وروي عن ابن عباس أنه قال : لا يصلين إلى حش ولا في حمام ولا في مقبرة قال ابن حزم : وما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا من الصحابة وروينا مثل ذلك عن نافع بن جبير بن مطعم وإبراهيم النخعي وخيثمة والعلاء بن زياد عن أبيه قال ابن حزم : ولا تحل الصلاة في حمام سواء في ذلك مبدأ بابه إلى جميع حدوده ولا على سطحه وسقف مستوقده وأعالي حيطانه خربا كان أو قائما فإن سقط من بنائه شيء يسقط عنه اسم حمام جازت الصلاة في أرضه حينئذ انتهى .
وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة في الحمام مع الطهارة وتكون مكروهة وتمسكوا بعمومات نحو حديث ( أينما أدركت الصلاة فصل ) وحملوا النهي على حمام متنجس والحق ما قاله الأولون لأن أحاديث المقبرة والحمام مخصصة لذلك العموم وحكمة المنع من الصلاة في المقبرة قيل هو ما تحت المصلي من النجاسة وقيل لحرمة الموتى وحكمة المنع من الصلاة في الحمام أنه يكثر فيه النجاسات وقيل إنه مأوى الشيطان