- الحديثان يدلان على أن التصوير من أشد المحرمات للتوعد عليه بالتعذيب في النار وبأن كل مصور من أهل النار ولورود لعن المصورين في أحاديث أخر وذلك لا يكون إلا على محرم متبالغ في القبح وإنما كان التصوير من أشد المحرمات الموجبة لما ذكر لأن فيه [ ص 101 ] مضاهاة لفعل الخالق جل جلاله ولهذا سمى الشارع فعلهم خلقا وسماهم خالقين وظاهر قوله كل مصور .
وقوله ( بكل صورة صورها ) أنه لا فرق بين المطبوع في الثياب وبين ما له جرم مستقل . ويؤيد ذلك ما في حديث عائشة المتقدم من التعميم وما في حديث مسلم وغيره ( أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هتك درنوكا لعائشة كان فيه صور الخيل ذوات الأجنحة حتى اتخذت منه وسادتين ) والدرنوك ضرب من الثياب أو البسط . وما أخرج البخاري ومسلم والموطأ والنسائي من حديث عائشة قالت : ( قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من سفر وقد سترت سهوة لي بقرام فيه تماثيل فلما رآه هتكه وتلون وجهه وقال : يا عائشة أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله ) وما أخرجه البخاري والترمذي والنسائي من حديث ابن عباس قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من صور صورة عذبه الله بها يوم القيامة حتى ينفخ فيها الروح وما هو بنافخ ) .
فهذه الأحاديث قاضية بعدم الفرق بين المطبوع من الصور والمستقل لأن اسم الصورة صادق على الكل إذ هي كما في كتب اللغة الشكل وهو يقال لما كان منها مطبوعا على الثياب شكلا نعم حديث أبي طلحة عند مسلم وأبي داود وغيرهما بلفظ : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا تمثال ) وفيه أنه قال : ( إلا رقما في ثوب ) فهذا إن صح رفعه كان مخصصا لما رقم في الأثواب من التماثيل .
قوله ( أحيوا ما خلقتم ) هذا من باب التعليق بالمحال والمراد أنهم يعذبون يوم القيامة ويقال لهم لا تزالون في عذاب حتى تحيوا ما خلقتم وليسوا بفاعلين وهو كناية عن دوام العذاب واستمراره وهذا الذي قدرناه في تفسير الحديث مصرح بمعناه في حديث ابن عباس المتقدم والأحاديث يفسر بعضها بعضا .
قوله ( فاجعل الشجر وما لا نفس له ) فيه الإذن بتصوير الشجر وكل ما ليس له نفس وهو يدل على اختصاص التحريم بتصوير الحيوانات قال في البحر : ولا يكره تصوير الشجر ونحوها من الجماد إجماعا