- الحديث في إسناده خصيف بن عبد الرحمن وقد ضعفه غير واحد قال في التقريب : هو صدوق سيئ الحفظ خلط بآخره ورمى بالإرجاء وقد وثقه ابن معين وأبو زرعة وبقية رجال إسناده ثقات . وأخرجه الحاكم بإسناد صحيح والطبراني بإسناد حسن كما قال الحافظ في الفتح .
قوله ( المصمت ) بضم الميم الأولى وفتح الثانية المخففة وهو الذي جميعه حرير لا يخالطه قطن ولا غيره قاله ابن رسلان .
قوله ( أما السدى ) بفتح السين والدال بوزن الحصى ويقال ستى بمثناة من فوق بدل الدال لغتان بمعنى واحد وهو خلاف اللحمة وهو ما مد طولا في النسج .
قوله ( والعلم ) هو رسم الثوب ورقمه قاله في القاموس وذلك كالطراز والسجاف .
[ ص 84 ] ( والحديث ) يدل على حل لبس الثوب المشوب بالحرير وقد اختلف الناس في ذلك .
قال في البحر : مسألة : ويحل المغلوب بالقطن وغيره ويحرم الغالب إجماعا فيهما اه : وكلا الإجماعين ممنوع أما الأول فقد نقل الحافظ في الفتح عن العلامة ابن دقيق العيد أنه إنما يجوز من المخلوط ما كان مجموع الحرير فيه أربع أصابع لو كانت منفردة بالنسبة إلى جميع الثوب .
وأما الثاني فقد تقدم الخلاف عن ابن علية في الحرير الخالص ونقله القاضي عياض عن قوم كما عرفت . وقد ذهب الإمامية إلى أنه لا يحرم إلا ما كان حريرا خالصا لم يخالطه ما يخرجه عن ذلك كما روى ذلك الريمي عنهم . وقال الهادي في الأحكام والمؤيد بالله وأبو طالب : إنه يحرم من المخلوط ما كان الحرير غالبا فيه أو مساويا تغليبا لجانب الحظر ولا دليل على تحليل المشوب إلا حديث ابن عباس هذا وهو غير صالح للاحتجاج من وجهين .
الأول الضعف في إسناده كما عرفت . الثاني أنه أخبر بما بلغه من قصر النبي على المصمت وغيره أخبر بما هو أعم من ذلك كما تقدم في حلة السيراء من غضبه صلى الله عليه وآله وسلم لما رأى عليا لابسا لها . والقول بأن حلة السيراء هي الحرير الخالص كما قال البعض ممنوع والسند ما أسلفناه عن أئمة اللغة بل أخرج ابن أبي شيبة وابن ماجه والدورقي والبيهقي حديث علي السابق في السيراء بلفظ : ( قال علي : أهدى إلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلة سيراء إما سداها حرير وإما لحمتها فأرسل بها إلي فأتيته فقلت : ما أصنع بها ألبسها قال : لا إني لا أرضى لك ما أكره لنفسي شققها خمرا لفلانة وفلانة فشققتها أربعة أخمرة ) وسيأتي الحديث وهذا صريح بأن تلك السيراء مخلوطة لا حرير خالص .
ومن ذلك حديث أبي ريحانة عند أبي داود والنسائي وابن ماجه وفيه النهي عن عشر منها أن يجعل الرجل في أسفل ثيابه حريرا مثل الأعاجم وأن يجعل على منكبه حريرا مثل الأعاجم وقد عرفت مما سلف الأحاديث الواردة في تحريم الحرير بدون تقييد فالظاهر منها تحريم ماهية الحرير سواء وجدت منفردة أو مختلطة بغيرها ولا يخرج عن التحريم إلا ما استثناه الشارع من مقدار الأربع الأصابع من الحرير الخالص وسواء وجد ذلك المقدار مجتمعا كما في القطعة الخالصة أو مفرقا كما في الثوب المشوب .
وحديث ابن عباس لا يصلح لتخصيص تلك العمومات ولا لتقييد تلك الإطلاقات لما عرفت ولا متمسك للجمهور القائلين بحل المشوب إذا كان الحرير مغلوبا إلا قول ابن عباس فيما أعلم فانظر أيها المنصف هل [ ص 85 ] يصلح جعله جسرا تذاد عنه الأحاديث الواردة في تحريم مطلق الحرير ومقيده وهل ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم مع ما في إسناده من الضعف الذي يوجب سقوط الاستدلال به على فرض تجرده عن المعارضات فرحم الله ابن دقيق العيد فلقد حفظ الله به في هذه المسألة أمة نبيه عن الإجماع على الخطأ ويمكن أن يقال أن خصيفا المذكور في إسناد الحديث قد وثقه من تقدم واعتضد الحديث بوروده من وجهين آخرين أحدهما صحيح والآخر حسن كما سلف فانتهض الحديث للاحتجاج به .
( فإن قلت ) قد صرح الحافظ ابن حجر أن عهدة الجمهور في جواز لبس ما خالطه الحرير إذا كان غير الحرير أغلب ما وقع في تفسير الحلة السيراء قلت : ليس في أحاديث الحلة السيراء ما يدل على أنها حلال بل جميعها قاضية بالمنع منها كما في حديث عمر وعلي وغيرهما مما سلف فإن فسرت بالثياب المخلوطة بالحرير كما قال جمهور أهل اللغة كانت حجة على الجمهور لا لهم وإن فسرت بأنها الحرير الخالص فأي دليل فيها على جواز لبس المخلوط وهكذا إن فسرت بسائر التفاسير المتقدمة .
( والحاصل ) أنه لم يأت المدعون للحل بشيء تركن النفس إليه وغاية ما جادلوا به أنه قول الجمهور وهذا أمر هين والحق لا يعرف بالرجال . وأما دعوى الإجماع التي ذكرها صاحب البحر فما هي بأول دعاويه على أن الراجح عند من أطلق نفسه عن وثاق العصبية الوبية عدم حجية الإجماع إن سلم إمكانه ووقوعه ونقله والعلم به وإن كان الحق منع الكل .
وأحسن ما يستدل به على الجواز حديث عبد الله بن سعد المتقدم في لبس عمامة الخز لما في النهاية من أن الخز الذي كان على عهده A مخلوط من صوف وحرير .
وقال في المشارق : إن الخز ما خلط من الحرير والوبر كما تقدم لولا أنه يمنع من صلاحيته للاحتجاج به على المطلوب ما أسلفناه في شرحه على أن النزاع في مسمى الخز بمجرده مانع مستقل