- وفي الباب عن أبي رافع عند النسائي . وعن أبي هريرة عند النسائي أيضا . وعن أم حبيبة عند الطحاوي وعن ابن عمر عند أبي داود والنسائي . وعن عائشة عند أبي داود . وعن معاذ عند أبي الشيخ . وعن معاوية عند النسائي .
قوله ( إذا سمعتم ) ظاهره اختصاص الإجابة بمن سمع حتى لو رأى المؤذن على المنارة مثلا في الوقت وعلم أنه يؤذن لكن لم يسمع أذانه لبعد أو صمم لا تشرع له المتابعة قاله النووي في شرح المهذب .
قوله ( فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) ادعى ابن وضاح أن قوله المؤذن مدرج وأن الحديث انتهى عند قوله مثل ما يقول وتعقب بأن الإدراج لا يثبت بمجرد الدعوى وقد اتفقت الروايات في الصحيحين والموطأ على إثباتها ولم يصب صاحب العمدة في حذفها قاله الحافظ .
قوله ( مثل ما يقول ) قال الكرماني : [ ص 36 ] قال مثل ما يقول ولم يقل مثل ما قال ليشعر بأنه يجيبه بعد كل كلمة مثل كلمتها . قال الحافظ : والصريح في ذلك ما رواه النسائي من حديث أم حبيبة أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول كما يقول المؤذن حتى يسكت . وأصرح من ذلك حديث عمر بن الخطاب الآتي بعد هذا .
والحديث يدل على أنه يقول السامع مثل ما يقول المؤذن في جميع ألفاظ الأذان الحيعلتين وغيرهما وقد ذهب الجمهور إلى تخصيص الحيعلتين بحديث عمر الآتي فقالوا يقول مثل ما يقول فيما عدا الحيعلتين وأما في الحيعلتين فيقول لا حول ولا قوة إلا بالله .
وقال ابن المنذر : يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما قال : فلم لا يقال يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة . والظاهر من قوله في الحديث فقولوا التعبد بالقول وعدم كفاية إمرار المجاوبة على القلب . والظاهر من قوله مثل ما يقول عدم اشتراط المساواة من جميع الوجوه . قال اليعمري : لاتفاقهم على أنه لا يلزم المجيب أن يرفع صوته ولا غير ذلك . قال الحافظ : وفيه بحث لأن المماثلة وقعت في القول لا في صفته ولاحتياج المؤذن إلى الإعلام شرع له رفع الصوت بخلاف السامع فليس مقصوده إلا الذكر والسر والجهر مستويان في ذلك .
وظاهر الحديث إجابة المؤذن في جميع الحالات من غير فرق بين المصلي وغيره . وقيل يؤخر المصلي الإجابة حتى يفرغ . وقيل يجيب إلا في الحيعلتين . قال الحافظ : والمشهور في المذهب كراهة الإجابة في الصلاة بل يؤخرها حتى يفرغ وكذا حال الجماع والخلاء . قيل والقول بكراهة الإجابة في الصلاة يحتاج إلى دليل ولا دليل ولا يخفى أن حديث إن في الصلاة لشغلا دليل على الكراهة ويؤيده امتناع النبي A من إجابة السلام فيها وهو أهم من الإجابة للمؤذن .
وظاهر الحديث أنه يقول مثل ما يقول المؤذن من غير فرق بين الترجيع وغيره . وفيه متمسك لمن قال بوجوب الإجابة لأن الأمر يقتضيه بحقيقته وقد حكى ذلك الطحاوي عن قوم من السلف وبه قالت الحنفية وأهل الظاهر وابن وهب . وذهب الجمهور إلى عدم الوجوب . قال الحافظ : واستدلوا بحديث أخرجه مسلم وغيره : ( أن النبي A سمع مؤذنا فلما كبر قال على الفطرة فلما تشهد قال خرج من النار ) . قالوا فلما قال A غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك [ ص 37 ] للاستحباب ورد بأنه ليس في الرواية أنه لم يقل مثل ما قال وباحتمال أنه وقع ذلك قبل الأمر بالإجابة واحتمال أن الرجل الذي سمعه النبي A يؤذن لم يقصد الأذان وأجيب عن هذا الأخير بأنه وقع في بعض طرق هذا الحديث أنه حضرته الصلاة وقد عرفت غير مرة أن فعله A لا يعارض القول الخاص بنا وهذا منه . والظاهر من الحديث التعبد بالقول مثل ما يقول المؤذن وسواء كان المؤذن واحدا أو جماعة . قال القاضي عياض : وفيه خلاف بين السلف فمن رأى الاقتصار على الإجابة للأول احتج بأن الأمر لا يقتضي التكرار ويلزمه على ذلك أن يكتفي بإجابة المؤذن مرة واحدة في العمر