- الحديث أخرجه أيضا من الطريقة الأولى الحاكم وقال : هذه أمثل الروايات في قصة عبد الله بن زيد لأن سعيد بن المسيب قد سمع من عبد الله بن زيد ورواه يونس ومعمر وشعيب وابن إسحاق عن الزهري ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي تحتمله عنعنة ابن إسحاق . وأخرجه أيضا من الطريقة الثانية ابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والبيهقي وابن ماجه . قال محمد بن يحيى الذهلي : ليس في أخبار عبد الله بن زيد أصح من حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي يعني هذا لأن محمدا قد سمع من أبيه عبد الله بن زيد وقال ابن خزيمة في صحيحه : هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا من أبيه وابن إسحاق سمع من التيمي وليس هذا مما دلسه . وقد صحح هذه الطريقة البخاري فيما حكاه الترمذي في العلل عنه . وأخرجه أيضا أحمد وأبو داود من حديث محمد بن عمرو الواقفي عن محمد بن عبد الله عن عمه عبد الله بن زيد ومحمد بن عمرو ضعيف واختلف عليه فيه فقيل عن محمد بن عبد الله . وقيل عبد الله بن محمد . قال ابن عبد البر : إسناده حسن من حديث الإفريقي قال الحاكم : وأما أخبار الكوفة في هذه القصة يعني في تثنية الأذان والإقامة فمدارها على حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى واختلف عليه فيه فمنهم من قال عن معاذ بن جبل . ومنهم من قال عن عبد الله بن زيد . ومنهم من قال غير ذلك .
الحديث فيه تربيع التكبير . وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء كما قال النووي . ومن أهل البيت الناصر والمؤيد بالله والإمام يحيى واحتجوا بهذا الحديث فإن المشهور فيه التربيع وبحديث أبي محذورة الآتي . وبأن التربيع عمل أهل مكة وهي مجمع المسلمين في المواسم وغيرها ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة وغيرهم .
وذهب مالك وأبو يوسف ومن أهل البيت زيد بن علي والصادق والهادي والقاسم إلى تثنيته محتجين بما وقع في بعض روايات هذا الحديث من التثنية وبحديث أبي محذورة الآتي في رواية مسلم عنه وفيه أن الأذان مثنى فقط وبأن التثنية عمل أهل المدينة وهم أعرف بالسنن وبحديث أمره صلى الله عليه وآله وسلم لبلال بتشفيع الأذان وإيتار الإقامة وسيأتي . والحق أن روايات التربيع أرجح لاشتمالها على الزيادة وهي مقبولة لعدم منافاتها وصحة مخرجها .
وفي الحديث ذكر الشهادتين مثنى مثنى وقد اختلف الناس [ ص 17 ] في ذلك فذهب أبو حنيفة والكوفيون والهادوية والناصر إلى عدم استحباب الترجيع تمسكا بظاهر الحديث والترجيع هو العود إلى الشهادتين مرتين مرتين برفع الصوت بعد قولها مرتين مرتين يخفض الصوت ذكر ذلك النووي في شرح مسلم . وفي كلام الرافعي ما يشعر بأن الترجيع اسم للمجموع من السر والجهر . وفي شرح المهذب والتحقيق والدقائق والتحرير أنه اسم للأول .
وذهب الشافعي ومالك وأحمد وجمهور العلماء كما قال النووي إلى أن الترجيع في الأذان ثابت لحديث أبي محذورة الآتي وهو حديث صحيح مشتمل على زيادة غير منافية فيجب قولها وهو أيضا متأخر عن حديث عبد الله بن زيد . قال في شرح مسلم : إن حديث أبي محذورة سنة ثمان من الهجرة بعد حنين وحديث عبد الله بن زيد في أول الأمر ويرجحه أيضا عمل أهل مكة والمدينة به . قال النووي : وقد ذهب جماعة من المحدثين وغيرهم إلى التخيير بين فعل الترجيع وتركه .
وفيه التثويب في صلاة الفجر لقول سعيد بن المسيب : فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر . يعني قول بلال الصلاة خير من النوم وزاد ابن ماجه فأقرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي إسناده ضعف جدا . وروى أيضا ابن ماجه وأحمد والترمذي من حديث بلال بلفظ : ( لا تثويب في شيء من الصلاة إلا في صلاة الفجر ) وفيه أبو إسماعيل الملائي وهو ضعيف مع انقطاعه بين عبد الرحمن بن أبي ليلى وبلال . قال ابن السكن : لا يصح إسناده . ورواه الدارقطني من طريق أخرى وفيه أبو سعيد البقال وهو نحو أبي إسماعيل في الضعف . وبيان الانقطاع بين ابن أبي ليلى وبلال أن ابن أبي ليلى مولده سنة سبع عشرة ووفاة بلال سنة عشرين أو إحدى وعشرين بالشام وكان مرابطا بها قبل ذلك من أوائل فتوحها فهو شامي وابن أبي ليلى كوفي فكيف يسمع منه مع حداثة السن وتباعد الديار .
وقد روى إثبات التثويب من حديث أبي محذورة قال : ( علمني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الأذان وقال : إذا كنت في أذان الصبح فقلت حي على الفلاح فقل الصلاة خير من النوم ) أخرجه أبو داود وابن حبان مطولا من حديثه وفيه هذه الزيادة وفي إسناده محمد بن عبد الملك ابن أبي محذورة وهو غير معروف الحال والحارث بن عبيد وفيه مقال . وذكره أبو داود من طريق أخرى عن أبي محذورة وصححه ابن خزيمة من طريق ابن جريج . ورواه النسائي من وجه آخر وصححه أيضا ابن خزيمة ورواه بقي بن مخلد . وروى التثويب [ ص 18 ] أيضا الطبراني والبيهقي بإسناد حسن عن ابن عمر بلفظ : ( كان الأذان بعد حي على الفلاح الصلاة خير من النوم مرتين ) قال اليعمري : وهذا إسناد صحيح . وروى ابن خزيمة والدارقطني والبيهقي عن أنس أنه قال : ( من السنة إذا قال المؤذن في الفجر حي على الفلاح قال الصلاة خير من النوم ) قال ابن سيد الناس اليعمري ( 1 ) : وهو إسناد صحيح .
وفي الباب عن عائشة عند ابن حبان وعن نعيم النحام عند البيهقي . وقد ذهب إلى القول بشرعية التثويب عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري وابن سيرين والزهري ومالك والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأصحاب الشافعي وهو رأي الشافعي في القديم ومكروه عنده في الجديد وهو مروي عن أبي حنيفة واختلفوا في محله فالمشهور أنه في صلاة الصبح فقط وعن النخعي وأبي يوسف إنه سنة في كل الصلوات وحكى القاضي أبو الطيب عن الحسن بن صالح إنه يستحب في أذان العشاء وروي عن الشعبي وغيره إنه يستحب في العشاء والفجر والأحاديث لم ترد بإثباته إلا في صلاة الصبح لا في غيرها فالواجب الاقتصار على ذلك والجزم بأن فعله في غيرها بدعة كما صرح بذلك ابن عمر وغيره وذهبت العترة والشافعي في أحد قوليه إلى أن التثويب بدعة قال في البحر : أحدثه عمر فقال ابنه : هذه بدعة . وعن علي عليه السلام حين سمعه : لا تزيدوا في الأذان ما ليس منه ثم قال بعد أن ذكر حديث أبي محذورة : وبلال قلنا لو كان لما أنكره علي وابن عمر وطاوس سلمنا فأمر به إشعارا في حال لا شرعا جمعا بين الآثار انتهى ( 2 ) . وأقول : قد عرفت مما سلف رفعه إلى النبي A والأمر به على جهة العموم من دون تخصيص بوقت دون وقت وابن عمر لم ينكر مطلق التثويب بل أنكره في صلاة الظهر ورواية الإنكار عن علي عليه السلام بعد صحتها لا تقدح في مروي غيره لأن المثبت أولى ومن علم حجة والتثويب زيادة ثابتة فالقول بها لازم والحديث ليس فيه ذكر حي على خير العمل . وقد ذهبت العترة إلى إثباته وأنه بعد قول المؤذن حي على الفلاح قالوا : يقول مرتين حي على خير العمل ونسبه المهدي [ ص 19 ] في البحر إلى أحد قولي الشافعي وهو خلاف ما في كتب الشافعية فإنا لم نجد في شيء منها هذه المقالة بل خلاف ما في كتب أهل البيت قال في الانتصار : إن الفقهاء الأربعة لا يختلفون في ذلك يعني في أن حي على خير العمل ليس من ألفاظ الأذان وقد أنكر هذه الرواية الإمام عز الدين في شرح البحر وغيره ممن له إطلاع على كتب الشافعية .
( احتج القائلون بذلك ) بما في كتب أهل البيت كأمالي أحمد بن عيسى والتجريد والأحكام وجامع آل محمد من إثبات ذلك مسندا إلى رسول الله A . قال في الأحكام : وقد صح لنا أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله A يؤذن بها ولم تطرح إلا في زمن عمر وهكذا قال الحسن بن يحيى روي ذلك عنه في جامع آل محمد وبما أخرج البيهقي في سننه الكبرى بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر أنه كان يؤذن بحي على خير العمل أحيانا .
وروي فيها عن علي بن الحسين أنه قال : هو الأذان الأول . وروى المحب الطبري في أحكامه عن زيد بن أرقم أنه أذن بذلك . قال المحب الطبري : ورواه ابن حزم ورواه سعيد بن منصور في سننه عن أبي أمامة ابن سهل البدري ولم يرو ذلك من طريق غير أهل البيت مرفوعا .
وقول بعضهم وقد صحح ابن حزم والبيهقي والمحب الطبري وسعيد بن منصور ثبوت ذلك عن علي بن الحسين وابن عمر وأبي أمامة ابن سهل موقوفا ومرفوعا ليس بصحيح اللهم إلا أن يريد بقوله مرفوعا قول علي بن الحسين هو الأذان الأول ولم يثبت عن ابن عمر وأبي أمامة الرفع في شيء من كتب الحديث .
( وأجاب الجمهور ) عن أدلة إثباته بأن الأحاديث الواردة بذكر ألفاظ الأذان في الصحيحين وغيرهما من دواوين الحديث ليس في شيء منها ما يدل على ثبوت ذلك قالوا : وإذا صح ما روي من أنه الأذان الأول فهو منسوخ بأحاديث الأذان لعدم ذكره فيها . وقد أورد البيهقي حديثا في نسخ ذلك ولكنه من طريق لا يثبت النسخ بمثلها .
وفي الحديث إفراد الإقامة إلا التكبير في أولها وآخرها وقد قامت الصلاة وقد اختلف الناس في ذلك وسنذكر ذلك وما هو الحق في شرح حديث أنس الآتي بعد هذا .
قوله في الحديث ( أن يضرب بالناقوس ) هو الذي تضرب به النصارى لأوقات صلاتهم وجمعه نواقيس والنقس ضرب الناقوس .
قوله ( حي على الصلاة حي على الفلاح ) اسم فعل معناه أقبلوا إليها وهلموا إلى الفوز والنجاة وفتحت الياء لسكونها وسكون الياء السابقة المدغمة .
قوله ( فإنه أندى صوتا منك ) [ ص 20 ] أي أحسن صوتا منك . وفيه دليل على استحباب اتخاذ مؤذن حسن الصوت . وقد أخرج الدارمي وأبو الشيخ بإسناد متصل بأبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بنحو عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان . وأخرجه أيضا ابن حبان من طريق أخرى . ورواه ابن خزيمة في صحيحه قال الزبير بن بكار : كان أبو محذورة أحسن الناس صوتا وأذانا . ولبعض شعراء قريش في أذان أبي محذورة : .
أما ورب الكعبة المستورة ... وما تلا محمد من سوره .
والنغمات من أبي محذورة ... لأفعلن فعلة مذكوره .
وفي رواية للترمذي بلفظ : ( فقم مع بلال فإنه أندى أو أمد صوتا منك فألق عليه ما قيل لك ) والمراد بقوله أو أمد صوتا منك أي أرفع صوتا منك وفيه استحباب رفع الصوت بالأذان وسيذكر المصنف لذلك بابا بعد هذا الباب .
_________ .
( 1 ) هو الحافظ أبو الفتح محمد بن محمد سيد الناس اليعمري المتوفى سنة 734 ه شرح سنن الترمذي شرحا وافيا ولم يكمله . بلغ فيه دون ثلثيه في نحو عشر مجلدات ثم كمله الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن حسين العراقي المتوفى سنة 806 ه . اه من الكشف .
( 2 ) عبارة البحر هكذا في الأصل وفيها غموض كما لا يخفى على المتأمل ولم نتمكن من مراجعة البحر لعدم وجود نسخ منه لدينا . والله أعلم