- قوله ( من نسي ) تمسك بدليل الخطاب من قال إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه إن من لم ينس لا يصلي وإلى ذلك ذهب داود وابن حزم وبعض أصحاب الشافعي وحكاه في البحر عن ابني الهادي والأستاذ ورواية عن القاسم والناصر : قال ابن تيمية حفيد المصنف : والمنازعون لهم ليس لهم حجة قط يرد إليها عند التنازع وأكثرهم يقولون لا يجب القضاء إلا بأمر جديد وليس معهم هنا أمر ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط بل ننازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها وأطال البحث في ذلك واختار ما ذكره داود ومن معه والأمر كما ذكره فإني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد وهم من عدا من ذكرنا على دليل ينفق في سوق المناظرة ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث ( فدين الله أحق أن يقضى ) باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم ( 1 ) ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسا وأنهض ما جاؤوا به في هذا المقام قولهم إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فتدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب وهذا مردود لأن القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من [ ص 3 ] الناسي بل صرح بأن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه فيكون إثباته مع عدم النص عبثا بخلاف الناسي والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرح بأن القضاء كفارة لهما لا كفارة لهما سواه ومن جملة حججهم أن قوله في الحديث ( لا كفارة لها إلا ذلك ) يدل على العامد مراد بالحديث لأن النائم والناسي لا إثم عليهما قالوا : فالمراد بالناسي التارك سواء كان عن ذهول أم لا ومنه قوله تعالى { نسوا الله فنسيهم } وقوله تعالى { نسوا الله فأنساهم أنفسهم } ولا يخفى عليك أن هذا الكلام يستلزم عدم وجوب القضاء على الناسي والنائم لعدم الإثم الذي جعلوا الكفارة منوطة به والأحاديث الصحيحة قد صرحت بوجوب ذلك عليهما وقد استضعف الحافظ في الفتح هذا الاستدلال وقال : الكفارة قد تكون عن الخطأ كما تكون عن العمد على أنه قد قيل أن المراد بالكفارة هي الإتيان بها تنبيها على أنه لا يكفي مجرد التوبة والاستغفار من دون فعل لها . وقد أنصف ابن دقيق العيد فرد جميع ما تشبثوا به والمحتاج إلى إمعان النظر ما ذكرنا لك سابقا من عموم حديث ( فدين الله أحق أن يقضى ) لا سيما على قول من قال : إن وجوب القضاء بدليل هو الخطاب الأول الدال على وجوب الأداء فليس عنده في وجوب القضاء على العامد فيما نحن بصدده تردد لأنه يقول المتعمد للترك قد خوطب بالصلاة ووجب عليه تأديتها فصارت دينا عليه والدين لا يسقط إلا بأدائه إذا عرفت هذا علمت أن المقام من المضايق وأن قول النووي في شرح مسلم بعد حكاية قول من قال لا يجب القضاء على العامد أنه خطأ من قائله وجهالة من الإفراط المذموم . وكذلك قول المقبلي في المنار أن باب القضاء ركب على غير أساس ليس فيه كتاب ولا سنة إلى آخر كلامه من التفريط .
قوله ( لا كفارة لها إلا ذلك ) استدل بالحصر الواقع في هذه العبارة على الاكتفاء بفعل الصلاة عند ذكرها وعدم وجوب إعادتها عند حضور وقتها من اليوم الثاني وسيأتي الكلام على ذلك عند الكلام على حديث عمران بن حصين من آخر هذا الباب . والأمر بفعلها عند الذكر يدل على وجوب المبادرة بها فيكون حجة لمذهب من قال بوجوبه على الفور وهو الهادي والمؤيد بالله والناصر وأبو حنيفة وأبو يوسف والمزني والكرخي . وقال القاسم ومالك والشافعي : وروي عن المؤيد بالله أنه على التراخي واستدلوا في قضاء الصلاة بما في بعض الروايات حديث نوم الوادي من أنه لما استيقظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد فوات الصلاة بالنوم [ ص 4 ] أخر قضائها واقتادوا رواحلهم حتى خرجوا من الوادي ورد بأن التأخير لمانع آخر وهو ما دل عليه الحديث بأن ذلك الوادي كان به شيطان ولأهل القول الأول حجج غير مختصة بقضاء الصلاة وكذلك أهل القول الآخر . واعلم أن الصلاة المتروكة في وقتها لعذر النوم والنسيان لا يكون فعلها بعد خروج وقتها المقدر لها لهذا العذر قضاء وإن لزم باصطلاح الأصول لكن الظاهر من الأدلة أنها أداء لا قضاء فالواجب الوقوف عند مقتضى الأدلة حتى ينتهض دليل يدل على القضاء . والحديثان يدلان على وجوب فعل الصلاة إذا فاتت بنوم أو نسيان وهو إجماع .
قال المصنف C تعالى بعد أن ساق حديث أبي هريرة : وفيه أن الفوائت يجب قضاؤها على الفور وأنها تقضى في أوقات النهي وغيرها وأن من مات وعليه صلاة فإنها لا تقضى عنه ولا يطعم عنه لها لقوله ( لا كفارة لها إلا ذلك ) وفيه دليل على أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد نسخه انتهى .
_________ .
( 1 ) وأيضا عمومات الأدلة القاضية بالقضاء على من أفطر في رمضان وغير ذلك ولا فرق بين الصلاة والصيام في الوجوب على أن الصلاة لا تسقط بخلاف الصيام فهي أولى بالقضاء