- قوله ( نساء المؤمنات ) صورته صورة إضافة الشيء إلى نفسه واختلف في تأويله وتقديره : فقيل تقديره نساء الأنفس المؤمنات وقيل نساء الجماعات المؤمنات وقيل إن نساء هنا بمعنى الفاضلات أي فاضلات المؤمنات كما يقال رجال القوم أي فضلاؤهم ومقدموهم .
وقوله ( كن ) قال الكرماني : هو مثل أكلوني البراغيث لأن قياسه الإفراد وقد جمع .
قوله ( متلفعات ) هو بالعين المهملة بعد الفاء أي متجللات ومتلففات . والمروط جمع مرط بكسر الميم الأكسية المعلمة من خز أو صوف أو غير ذلك .
قوله ( لا يعرفهن أحد ) قال الداودي : معناه ما يعرفن أنساء هن أم رجال . وقيل لا يعرف أعيانهن قال النووي : وهذا ضعيف لأن المتلفعة في النهار أيضا لا يعرف عنها فلا يبقى في الكلام فائدة وتعقب بأن المعرفة إنما تتعلق بالأعيان ولو كان المراد الأول لعبر عنه نفي العلم .
قال الحافظ : وما ذكره من أن المتلفعة بالنهار لا يعرف عينها فيه نظر لأن لكل امرأة هيئة غير هيئة الأخرى في الغالب ولو كان بدنها مغطى . قال الباجي : وهذا يدل على أنهن كن سافرات ( 1 ) إذ لو كن متقنعات لكان المانع من المعرفة تغطيتهن لا التغليس .
قوله ( من الغلس ) من ابتدائية أو تعليلية ولا معارضة بين هذا وبين حديث أبي برزة إنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه لأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة على بعد وذاك إخبار عن رؤية الجليس .
والحديث يدل على استحباب المبادرة بصلاة الفجر في أول الوقت وقد اختلف العلماء في ذلك فذهبت العترة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والأوزاعي وداود بن علي وأبو جعفر الطبري وهو المروي عن عمر وعثمان وابن الزبير وأنس وأبي موسى وأبي هريرة إلى أن التغليس أفضل وأن الإسفار غير مندوب .
وحكى هذا القول الحازمي عن بقية الخلفاء الأربعة وابن مسعود وأبي مسعود الأنصاري وأهل الحجاز واحتجوا بالأحاديث [ ص 421 ] المذكورة في هذا الباب وغيرها ولتصريح أبي مسعود في الحديث الآتي بأنها كانت صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم التغليس حتى مات ولم يعد إلى الإسفار . وذهب الكوفيون وأبو حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وأكثر العراقيين وهو مروي عن علي عليه السلام وابن مسعود إلى أن الإسفار أفضل .
واحتجوا بحديث ( أسفروا بالفجر ) وسيأتي ونحوه . وقد أجاب القائلون بالتغليس عن أحاديث الإسفار بأجوبة : منها أن الإسفار التبين والتحقق فليس المراد إلا تبين الفجر وتحقق طلوعه ورد بما أخرجه ابن أبي شيبة وإسحاق وغيرهما بلفظ : ( ثوب بصلاة الصبح يا بلال حين يبصر القوم مواقع نبلهم من الإسفار ) ومنها أن الأمر بالإسفار في الليالي المقمرة فإنه لا يتحقق فيها الفجر إلا بالاستظهار في الإسفار . وذكر الخطابي إنه يحتمل أنهم لما أمروا بالتعجيل صلوا بين الفجر الأول والثاني طلبا للثواب فقيل لهم صلوا بعد الفجر الثاني وأصبحوا بها فإنه أعظم لأجركم فإن قيل لو صلوا قبل الفجر لم يكن فيها أجر فالجواب إنهم يؤجرون على نيتهم وإن لم تصح صلاتهم لقوله إذا اجتهد الحاكم فأخطأ فله أجر . وقال أبو جعفر الطحاوي : إنما يتفق معاني آثار هذا الباب بأن يكون دخوله صلى الله عليه وآله وسلم في صلاة الصبح مغلسا ثم يطيل القراءة حتى ينصرف عنها مسفرا وهذا خلاف قول عائشة لأنها حكت أن انصراف النساء كان وهن لا يعرفن من الغلس ولو قرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسور الطوال ما انصرف إلا وهم قد أسفروا ودخلوا في الإسفار جدا ألا ترى إلى أبي بكر Bه حين قرأ البقرة في ركعتي الصبح قيل له كادت الشمس تطلع فقال : لو طلعت لم تجدنا غافلين .
_________ .
( 1 ) وفيه نظر إذ معنى لا يعرفن لا يميزن من الرجال لسواد الليل وحلوكه فلا يدل على ما ذكر بل الأخبار ترده