فصل .
ويشرع أي الغسل لصلاة الجمعة لحديث : [ إذا جاء أحد كم الجمعة فليغتسل ] وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر رض وقد تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول ورواه عن نافع رح نحو ثلثمائة نفس ورواه من الصحابة غير ابن عمر رض نحو أربعة وعشرين صحابيا وقد ذهب إلى وجوبه جماعة قال النووي رح : حكي وجوبه عن طائفة من السلف رحمهم الله حكوه عن بعض الصحابة رض وبه قال أهل الظاهر وحكاه ابن المنذر عن أبي هريرة وعمار رض ومالك وحكاه الخطابي عن الحسن البصري وحكاه ابن حزم عن جمع من الصحابة رض ومن بعدهم وذهب الجمهور إلى أنه مستحب واستدلوا بحديث أبي هريرة رض عند مسلم بلفظ [ من توضأ فأحسن الوضوء ثم أتى الجمعة فاستمع وأنصت غفر له ما بين الجمعة إلى الجمعة وزيادة ثلاثة أيام ] وبحديث سمرة Bه [ أن النبي صلى الله وسلم عليه قال : من توضأ للجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فذلك أفضل ] أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي رحمهم الله وفيه مقال مشهور وهو عدم سماع الحسن رح من سمرة رح وغير ذلك من الأحاديث قالوا : وهي صارفة للأمر إلى الندب ولكنه إذا كان ما ذكروه صالحا لصرف الأمر فهو لا يصلح مثل قوله صلى الله وسلم عليه : [ حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده ] وهو في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة رض وقد استوفى الماتن رح الكلام على حكم غسل الجمعة في نيل الأوطار فليرجع إليه ولا يخفى أن تقييد الغسل بالمجيء للجمعة يدل على أنه للصلاة لا لليوم .
وللعيدين فقد روي من فعله صلى الله وسلم عليه من حديث الفاكه بن سعد رض : [ أنه صلى الله وسلم عليه كان يغتسل يوم الجمعة ويوم الفطر ويوم النحر ] أخرجه أحمد وابن ماجه والبزار والبغوي رح وأخرج نحوه ابن ماجه رح من حديث ابن عباس رض وأخرجه البزار رح من حديث أبي رافع رض وفي أسانيدها ضعف ولكنه يقوي بعضها بعضا ويقوي ذلك آثار عن الصحابة رض جيدة .
أقول : قد روي في ذلك أحاديث لم يصح منها شئ ولا بلغ شئ منها إلى رتبة الحسن لذاته ولا لغيره وأما اعتبار كون المغتسل يصلي صلاة العيد بذلك الغسل أي من دون أن يتخلل بين الغسل وبين الصلاة شئ من الأحداث فلا أحفظ فيه حديثا صحيحا ولا ضعيفا ولا قول صحابي وه أحسن الاقتصار على ما ثبت وإراحة العباد مما لم يثبت .
ولمن غسل ميتا وجهه ما أخرجه أحمد وأهل السنن رح من حديث أبي هريرة رض مرفوعا : [ من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ] وقد روي من طرق وأعل بالوقف وبان في إسناده صالحا مولى التوأمة رح ولكنه قد حسنه الترمذي رح وصححه ابن القطان رح وابن حزم وقد روي من غير طريق قال الحافظ ابن حجر رح : هو لكثرة طرقه أسوأ أحواله أن يكون حسنا فإنكار النووي رح على الترمذي رح تحسينه معترض وقال الذهبي رح : هو أقوى من عدة أحاديث احتج بها الفقهاء رح وذكر الماوردي رح أن بعض أصحاب الحديث رح خرج لهذا الحديث مائة وعشرين طريقا وقد روي نحوه عن علي رض عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن شيبة وأبي يعلى والبزار والبيهقي رح وعن حذيفة رض عند البيهقي رح قال ابن أبي حاتم والدارقطني رح : لا يثبت وعن عائشة رض من فعله صلى الله وسلم عليه عند أحمد وأبي داود رح وقد ذهب إلى الوجوب علي وأبو هريرة رض والأمامية وذهب الجمهور إلى أنه مستحب فقط قالوا وهذا الأمر المذكور في الحديث السابق مصروف عن الوجوب بحديث : [ إن ميتكم يموت طاهرا فحسبكم أن تغسلوا أيديكم ] أخرجه البيهقي وحسنه ابن حجر رح ولحديث : [ كنا نغسل الميت فمنا من يغتسل ومنا من لا يغتسل ] أخرجه الخطيب رح عن ابن عمر رض وصحح ابن حجر أيضا إسناده ولما وقع من الفتيا من الصحابة رض [ لأسماء بنت عميس امراة أبي بكر رض لما غسلته فقالت لهم : إن هذا يوم شديد البرد وأنا صائمة فهل علي من غسل ؟ قالوا : لا ] رواه مالك رح في الموطأ .
وللإحرام لحديث زيد بن ثابت رض [ أنه رأى النبي صلى الله وسلم عليه تجرد لإهلاله واغتسل ] أخرجه الترمذي والدارقطني والبيهقي والطبراني وحسنه الترمذي وضعفه العقيلي رحمهم الله ولعل وجه التضعيف كون عبد الله بن يعقوب المدني في إسناده قال ابن الملقن في شرح المنهاج : لعل الترمذي رح حسنه لأنه عرف عبد الله بن يعقوب أي عرف حاله وفي الباب عن عائشة رض عند أحمد رح وعن أسماء رض عند مسلم رح وقد ذهب إلى استحباب غسل الإحرام الجمهور وقال الحسن البصري رح ومالك رح : أنه محتمل .
ولدخول مكة المكرمة حرسها الله تعالى لما أخرجه مسلم عن ابن عمر رض : [ أنه كان لا يدخل مكة إلا بات بذي طوى حتى يصبح ويغتسل ثم يدخل مكة نهارا ويذكر عن النبي صلى الله وسلم عليه أنه فعله ] وأخرج البخاري رح معناه قال في الفتح : قال ابن المنذر : الإغتسال عند دخول مكة مستحب عند جميع العلماء وليس في تركه عندهم فدية وقال أكثرهم : يجزئ عنه الوضوء