استلزم تغير ريح الماء أو لونه أو طعمه فهذا هو الأمر الموجب للنجاسة والخروج عن الطهورية وإن حمل حملا لا يغير أحد تلك الأوصاف فليس هذا الحمل مستلزما للنجاسة وقد ذهب إلى تقدير القليل بما دون القلتين والكثير بهما الشافعي وأصحابه ومن أهل البيت الناصر والمنصور بالله وذهب إلى تقدير القليل بما يظن استعمال النجاسة باستعماله والكثير بما لا يظن استعمال النجاسة باستعماله ابن عمر ومجاهد ومن أهل البيت الهادي والمؤيد بالله وأبو طالب وقد روى أيضا عن الشافعية والحنفية وأحمد بن حنبل ولاأدري هل تصح هذه الرواية أم لا فإن مذاهب هؤلاء مدونة في كتب أتباعهم من أراد الوقوف عليها راجعها واحتج أهل هذا المذهب بمثل قوله تعالى ( ( والرجز فاهجر ) ) وبخبر الإستيقاظ وخبر الولوغ وأحاديث النهي عن البول في الماء الدائم وهي جميعها في الصحيح ولكنها لا تدل على المطلوب ولو فرضنا أن لشئ منها دلالة توجه ما كان ما أفادته تلك الدلالة مقيدا بما تقدم لأن التعبد إنما هو بالظنون الواقعة على الوجه المطابق للشرع على أنه لا يبعد أن يقال إن العاقل لا يظن استعمال النجاسة باستعمال الماء إلا إذا خالطت الماء بجرمها أو بريحها أو بلونها أو بطعمها مخالطة ظاهرة توجب ذلك الظن ولاشك ولاريب أن ما كان من الماء على هذه الصفة نجس لأن المخالطة إن كانت بالجرم فالمتوضئ مستعمل لعين النجاسة وإن كانت المخالطة بالريح أو اللون أوالطعم فلا مخالفة بين هذا المذهب وذلك المذهب الذي رجحناه والحاصل أنهم إن أرادوا بقولهم إن ظن استعمال النجاسة باستعماله فهو القليل وإن لم يظن فهو الكثير ما هو أعلم من بين النجاسه وريحها ولونها وطعمها فلا مخالفة بين هذا المذهب وذلك المذهب الذي رجحناه إلا من جهة أن هؤلاء اعتبروا المظنة وأهل المذهب الأول اعتبروا المئنة ولكن لا يخفي أن المظنة إذا كانت هي الصادرة من غير أهل الوسوسة والشكوك فهي لاتكاد تخالف المئنة في مثل هذا الموضع وإن أرادوا استعمال العين فقط وعدم استعمال العين فقط فهو مذهب مستقل غير ذلك المذهب