إثبات الأحكام يكون بالنصوص الدالة عليها أو القياس .
و بالجملة : فما لنا طريق إلى إثبات الأحكام إلا نصوص تدل عليها أو قياس على المنصوص عند القياسيين و من شرط ذلك : أن يكون الأصل المقيس عليه حكما أما ما كان فعلا لله تعالى فلا و هذا ظاهر جدا و ليس ما نعتقده فعلا لله تعالى في الدنيا أيضا بالمباح لنا فإن لله أن يفعل ما يشاء بعباده و لا حكم عليه و ليس لنا أن نفعل بهم إلا ما أذن لنا فيه بواسطة أو بغير واسطة .
المسألة الثالثة : التصرفات الواقعة قبل الملك للشيء على وجهين .
أحدهما : تصرفات التنجيز كما لوأعتق عبد غيره أو باعه أو نذر نذرا متعلقا به فهذه تصرفات لاغية اتفاقا إلا ما حكي عن بعضهم في العتق خاصة أنه إذا كان موسرا : يعتق عليه وقيل : إنه رجع عنه .
الثاني : التصرفات المتعلقة بالملك كتعلق الطلاق بالنكاح مثلا فهذا مختلف فيه ف الشافعي يلغيه كالأول و ملك و أبو حنيفة يعتبرانه وقد يستدل للشافعي بهذا الحديث وما يقاربه ومخالفوه يحملونه على التنجيز أو يقولون بموجب الحديث فإن التنفيذ إنما يقع بعد الملك فالطلاق - مثلا - لم يقع قبل الملك فمن هنا يجيء القول بالموجب .
وههنا نظر دقيق في الفرق بين الطلاق - أعني تعليقه بالملك - وبين النذر في ذلك فتأمله واستبعد قوم تأويل الحديث وما يقاربه بالتنجيز من حيث إنه أمر ظاهر جلي لا تقوم به فائدة يحسن حمل اللفظ عليها وليست جهة هذا الاستبعاد بقوية فإن الأحكام كلها : في الابتداء كانت منتفية وفي أثنائها فائدة متجددة وإنما حصل الشيوع والشهرة لبعضها فيما بعد ذلك وذلك لا ينفي حصول الفائدة عند تأسيس الأحكام