كيف يأذن رسول الله في البيع على شرط فاسد و الجواب عليه من ستة أوجه .
السادس : الكلام على الإشكال العظيم في هذا الحديث وهو أن يقال : كيف يأذن النبي صلى الله عليه و سلم في البيع على شرط فاسد ؟ و كيف يأذن حتى يقع البيع على هذا الشرط فيدخل البائع عليه ثم يبطل اشتراطه ؟ .
فاختلف الناس في الكلام على هذا الإشكال فمنهم من صعب عليه فأنكر هذه اللفظة أعني قوله [ و اشترطي لهم الولاء ] و قد نقل ذلك عن يحيى بن أكثم و بلغني عن الشافعي قريب منه و أنه قال [ اشتراط الولاء ] رواه هشام بن عروة عن أبيه و انفرد به دون غيره من رواة هذا الحديث و غيره من رواته أثبت من هشام و الأكثرون على إثبات اللفظة للثقة براويها و اختلفوا في التأويل و التخريج و ذكر فيه وجوه .
أحدها : أن لهم بمعنى عليهم و استشهدوا لذلك بقوله تعالى { و لهم اللعنة } بمعنى عليهم { و إن أسأتم فلها } بمعنى عليها و في هذا ضعف أما أولا : فلأن سياق الحديث و كثيرا من ألفاظه ينفيه و أما ثانيا : فلأن اللام لا تدل بوضعها على الاختصاص النافع بل تدل على مطلق الاختصاص فقد يكون في اللفظ ما يدل على الاختصاص النافع و قد لا يكون .
و ثانيهما : ما فهمته من كلام بعض المتأخرين و تلخيصه أن يكون هذا الاشتراط بمعنى ترك المخالفة لما شرطه البائعون و عدم إظهاره النزاع فيما دعوا إليه و قد يعبر عن التخلية و الترك بصيغة تدل على الفعل ألا ترى أنه قد أطلق لفظ الإذن من الله تعالى على التمكين من الفعل و التخلية بين العبد و بينه و إن كان ظاهر اللفظ يقتضي الإباحة و التجويز ؟ و هذا موجود في كتاب الله تعالى على ما يذكره المفسرون كما في قوله تعالى { و ما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله } و ليس المراد بالإذن ههنا إباحة الله تعالى للإضرار بالسحر و لكنه لما خلى بينهم و بين ذلك الإضرار أطلق عليه لفظة الإذن مجازا و هذا و إن كان محتملا إلا أنه خارج عن الحقيقة من غير دلالة ظاهرة على المجاز من حيث اللفظ .
و ثالثهما : أن لفظة الاشتراط و الشرط و ما تصرف منها تدل على الإعلام و الإظهار و منه أشراط الساعة و الشرط اللغوي و الشرعي و منه قول أويس بن حجر بفتح الحاء و الجيم .
( فأشرط فيها نفسه ) أي أعلمها و أظهرها و إذا كان كذلك فيحمل اشترطي على معنى : أظهري حكم الولاء و بينيه و اعلمي أنه لمن أعتق على عكس ما أورده السائل و فهمه من الحديث و رابعها : ما قيل إن النبي صلى الله عليه و سلم قد كان أخبرهم [ أن الولاء لمن أعتق ] ثم أقدموا على اشتراط ما يخالف هذا الحكم الذي علموه فورد هذا اللفظ على سبيل الزجر و التوبيخ و التنكيل لمخالفتهم الحكم الشرعي و غاية ما في الباب : إخراج لفظة الأمر عن ظاهرها و قد وردت خارجة عن ظاهرها في مواضع يمتنع إجراؤها على ظاهرها كقوله تعالى { اعملوا ما شئتم } { فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر } و على هذا الوجه و التقدير الذي ذكر لا يبقى غرور .
و خامسها : أن يكون إبطال هذا الشرط عقوبة لمخالفتهم حكم الشرع فإن إبطال الشرط يقتضي تغريم ما قوبل به الشرط من المالية المسامح بها لأجل الشرط و يكون هذا من باب العقوبة بالمال كحرمان القاتل الميراث .
و سادسها : أن يكون ذلك خاصا بهذه القضية لا عاما في سائر الصور و يكون سبب التخصيص بإبطال هذا الشرط : المبالغة في زجرهم عن هذا الاشتراط المخالف للشرع كما أن فسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الواقعة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج و هذا الوجه ذكره بعض أصحاب الشافعي و جعله بعض المتأخرين منهم الأصح في تأويل الحديث