هل هو ناسخ أو خاص بالرسول ؟ .
واختلف الناس في كيفية العمل به أو بالأول ؟ على أقوال فمنهم من رأى أنه مانع لحديث المنع واعتقد الإباحة مطلقا وكأنه رأى أن تخصيص حكمه بالبنيان مطرح و أ خذ دلالته على الجواز مجردة عن اعتبار خصوص كونه في البنيان لاعتقاده أنه وصف ملغى لا اعتبار به و منهم من رأى العمل بالحديث الأول وما في معناه واعتقد هذا خاصا بالنبي A ومنهم من جمع بين الحديثين فرأى حديث ابن عمر مخصوصا بالبنيان فيخص به حديث أبي أيوب العام في البنيان و غيره جمعا بين الدليلين ومنهم من توقف في المسألة ونحن ننبه ههنا على أمرين : .
أحدهما : أن من قال بتخصيص هذا الفعل بالنبي صلى الله عليه و سلم له أن يقول : إن رؤية هذا الفعل كان أمرا اتفاقيا لم يقصده ابن عمر و لا الرسول صلى الله عليه و سلم على هذه الحالة يتعرض لرؤية أحد فلو كان يترتب على هذا الفعل حكم عام لبينه لهم بإظهاره بالقول أو الدلالة على وجود الفعل فإن الأحكام العامة للأمة لا بد من بيانها فلما لم يقع ذلك - وكانت هذه الرؤية من ابن عمر على طريق الاتفاق و عدم قصد الرسول صلى الله عليه و سلم - دل ذلك على الخصوص به صلى الله عليه و سلم و عدم العموم في حق الأمة و فيه بعد ذلك بحث .
التنبيه الثاني : أن الحديث : إذا كان عام الدلالة وعارضه غيره في بعض الصور و أردنا التخصيص - فالواجب أن نقتصر في مخالفة مقتضى العموم على مقدار الضرورة ويبقى الحديث العام على مقتضى عمومه فيما يبقى من الصور إذ لا معارض له فيما عدا تلك الصور المخصوصة التي ورد فيها الدليل الخاص و حديث ابن عمر لم يدل على جواز الاستقبال و الاستدبار معا في البنيان و إنما ورد في الاستدبار فقط فالمعارضة بينه و بين حديث أبي أيوب إنما هي في الاستدبار فيبقى الاستقبال لا معارض له فيه فينبغي أن يعمل بمقتضى حديث أبي أيوب في المنع من الاستقبال مطلقا لكنهم أجازوا الاستقبال و الاستدبار معا في البنيان و عليه هذا السؤال .
هذا لو كان في حديث أبي أيوب لفظ واحد يعم الاستقبال و الاستدبار فيخرج منه الاستدبار ويبقى الاستقبال على ما قررناه آنفا ولكن ليس الأمر كذلك بل هما جملتان دلت إحداهما على الاستقبال و الأخرى على الاستدبار تناول حديث ابن عمر إحداهما وهى عامة في محلها و حديثه خاص ببعض صور عمومها و الجملة الأخرى : لم يتناولها حديث ابن عمر فهي باقية على حالها .
و لعل قائلا يقول : أقيس الاستقبال في البنيان - و إن كان مسكوتا عنه - علي الاستدبار الذي ورد فيه الحديث .
فيقال له : أولا في هذا تقديم القياس علي مقتضى اللفظ العام وفيه ما فيه على ما عرف في أصول الفقه .
و ثانيا : إن شرط القياس مساواة الفرع للأصل أو زيادته عليه في المعنى المعتبر في الحكم و لا تساوي ههنا فإن الاستقبال يزيد في القبح على الاستدبار على ما يشهد به العرف و لهذا اعتبر بعض العلماء هذا المعنى فمنع الاستقبال و أجاز الاستدبار و إذا كان الاستقبال أزيد في القبح من الاستدبار : فلا يلزم من إلغاء المفسدة الناقصة في القبح في حكم الجوار إلغاء المفسدة الزائدة في القبح في حكم الجواز