الإقبال والإدبار في مسح الرأس .
السادس : قوله [ ثم أدخل يده في التور فمسح رأسه فأقبل بهما وأدبر مرة واحدة ] فيه دليل على التكرار في مسح الرأس مع التكرار في غيره وهو مذهب مالك و أبو حنيفة وورد المسح في بعض الروايات مطلقا وفي بعضها مقيدا بمرة واحدة .
وقوله [ فأقبل بهما وأدبر ] اختلف الفقهاء في كيفية الإقبال والإدبار على ثلاثة مذاهب أحدها : أن يبدأ بمقدم الرأس الذي يلي الوجه ويذهب إلى القفا ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه وهو مبدأ الشعر في حد الوجه وعلى هذا يدل ظاهر قوله [ بدأ مقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ] وهو مذهب مالك و الشافعي .
إلا أنه ورد على هذا الإطلاق - أعني إطلاق قوله فأقبل بهما وأدبر - إشكال من حيث إن هذه الصيغة تقتضي أنه أدبر بهما وأقبل لأن ذهابه إلى جهة القفا إدبار ورجوعه إلى جهة الوجه إقبال .
فمن الناس من اعتقد أن هذه الصيغة المتقدمة التي دل عليها ظاهر الحديث المفسر وهو قوله بدأ بمقدم رأسه الخ .
وأجاب عن هذا السؤال بأن الواو لا تقتضي الترتيب فالتقدير : أدبر وأقبل .
وعندي فيه جواب آخر وهو أن الإقبال والإدبار من الأمور الإضافية أعني : أنه ينسب إلى ما يقبل إليه ويدبر عنه فيمكنه حمله على هذا ويحتمل أن يريد بالإقبال : الإقبال على الفعل لا غير ويضعفه قوله [ وأدبر مرة واحدة ] .
ومن الناس من قال : يبدأ بمؤخر رأسه ويمر إلى جهة الوجه ثم يرجع إلى المؤخر محافظة على ظاهر قوله [ أقبل وأدبر ] وينسب الإقبال : إلى مقدم الوجه والإدبار : إلى ناحية المؤخر .
وهذا يعارضه الحديث المفسر لكيفية الإقبال والإدبار وإن كان يؤيده ما ورد في حديث الربيع أنه A بدأ بمؤخر رأسه فقد يحمل ذلك على حالة أو وقت ولا يعارض ذلك الرواية الأخرى لما ذكرناه من التفسير .
ومن الناس من قال : يبدأ بالناصية ويذهب إلى ناحية الوجه ثم يذهب إلى جهة مؤخر الرأس ثم يعود إلى ما بدأ منه وهو الناصية .
وكأن هذا قد قصد المحافظة على قوله [ بدأ بمقدم الرأس ] مع المحافظة على ظاهر [ أقبل و أدبر ] .
فإنه إذا بدأ بالناصية صدق أنه بدأ بمقدم رأسه وصدق أنه أقبل أيضا فإنه ذهب إلى ناحية الوجه و هو القبل .
إلا أن قوله في الرواية المفسرة [ بدأ بمقدم رأسه حتى ذهب بهما إلى قفاه ] قد يعارض هذا فإنه جعله بادئا بالمقدم إلى غاية الذهاب إلى قفاه وهذه الصفة التي قالها هذا القائل تقتضي أنه بدأ بمقدم رأسه غير ذاهب إلى قفاه بل إلى ناحية وجهه : وهو مقدم الرأس .
ويمكن أن يقول هذا القائل - الذي اختار الصفة الأخيرة - : إن البداءة بمقدم الرأس ممتد إلى غاية الذهاب إلى المؤخر و ابتداء الذهاب من حيث الرجوع من منابت الشعر من ناحية الوجه إلى القفا والحديث إنما جعل البداءة بمقدم الرأس ممتدا إلى غاية الذهاب إلى القفا لا إلى غاية الوصول إلى القفا وفرق بين الذهاب إلى القفا وبين الوصول إليه فإذا جعل هذا القائل الذهاب إلى القفا من حيث الرجوع من مبتدأ الشعر من ناحية الوجه إلى جهة القفا : صح أنه ابتدأ بمقدم الرأس ممتدا إلى غاية الذهاب إلى جهة القفا .
وقد تقدم ما يتعلق بغسل الرجلين و العدد فيهما أو عدم العدد .
والرواية الأخيرة : مصرحة بالوضوء من الصفر وهي رواية عبد العزيز بن أبي سلمة وهي مصرحة بالحقيقة في قوله [ تور من صفر ] وفي الرواية الأولى مجاز أعني قوله [ من تور من ماء ] ويمكن أن يحمل الحديث على : من إناء ماء وما أشبه ذلك