الحديث 135 : من جاء منكم الجمعة فليغتسل .
الحديث الثاني : عن عبد الله بن عمر Bهما أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال [ من جاء منكم الجمعة فليغتسل ] .
الحديث صريح في الأمر بالغسل للجمعة و ظاهر الأمر الوجوب و قد جاء مصرحا به بلفظ الوجوب في حديث آخر فقال بعض الناس بالوجوب بناء على الظاهر و خالف الأكثرون فقالوا بالاستحباب وهم محتاجون إلى الاعتذار عن مخالفة هذا الظاهر فأولوا صيغة الأمر على الندب و صيغة الوجوب على التأكيد كما يقال : حقك واجب علي و هذا التأويل الثاني أضعف من الأول و إنما يصار إليه إذا كان المعارض راجحا في الدلالة على هذا الظاهر و أقوى ما عارضوا به حديث [ من توضأ يوم الجمعة فبها و نعمت و من اغتسل فالغسل أفضل ] و لا يقاوم سنده سند هذه الأحاديث و إن كان المشهور من سنده صحيحا على مذهب بعض أصحاب الحديث و ربما احتمل أيضا تأويلا مستكرها بعيدا كبعد تأويل لفظ الوجوب على التأكيد و أما غير هذا الحديث من المعارضات المذكورة لما ذكرناه من دلائل الوجوب فلا تقوى دلالته على عدم الوجوب لقوة دلائل الوجوب عليه و قد نص مالك على الوجوب فحمله المخالفون ممن لم يمارسوا مذهبه على ظاهره و حكي عن أنه يروي الوجوب و لم ير ذلك أصحابه على ظاهره .
و في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة والمراد إرادة المجيء وقصد الشروع فيه وقال مالك به واشترك الاتصال بين الغسل والرواح وغيره لا يشترط ذلك .
ولقد أبعد الظاهري إبعادا يكاد يكون مجزوما ببطلانه حيث لم يشترط تقدم الغسل على إقامة صلاة الجمعة حتى اغتسل قبل الغروب كفى عنده تعلقا بإضافة الغسل إلى اليوم في بعض الروايات وقد تبين من بعض الأحاديث : أن الغسل لإزالة الروائح الكريهة ويفهم منه : أن المقصود عدم تأذي الحاضرين وذلك لا يتأتى بعد إقامة الجمعة وكذلك أقول : لو قدمه بحيث لا يحصل هذا المقصود لم يعتد به والمعنى إذا كان معلوما كالنص قطعا أو ظنا مقاربا للقطع : فاتباعه وتعليق الحكم به أولى من اتباع مجرد اللفظ .
وقد كنا قررنا في مثل هذا قاعدة وهي انقسام الأحكام إلى أقسام منها : أن يكون أصل المعنى معقولا وتفصيله يحتمل التعبد فإذا وقع مثل هذا فهو محل نظر .
ومما يبطل مذهب الظاهري : أن الأحاديث التي علق فيها الأمر بالإتيان أو المجيء قد دلت على توجه الأمور إلى هذه الحالة والأحاديث التي تدل على تعليق الأمور باليوم لا يتناوله تعليقه بهذه الحالة فهو إذا تمسك بتلك أبطل دلالة هذه الأحاديث على تعليق الأمر بهذه الحالة وليس له ذلك ونحن إذا قلنا بتعليقه بهذه الحالة فقد عملنا بهذه الأحاديث من غير إبطال لما استدل به