إخراجهم الحديث عن ظاهر معناه .
واعلم أن هذا الحديث لا بد من إخراجه عن ظاهره بالتخصيص أو التقييد لأن الاتفاق واقع على أن الماء المستبحر الكثير جدا : لا تؤثر فيه النجاسة والاتفاق واقع على أن الماء إذا غيرته النجاسة : امتنع استعماله فمالك - C - إذا حمل النهي على الكراهة - لاعتقاده أن الماء لا ينجس بالتغير - لا بد أن يخرج عنه صورة التغير بالنجاسة أعني عن الحكم بالكراهية فإن الحكم ثم : التحريم فإذا لا بد من الخروج عن الظاهر عند الكل .
فلأصحاب أبي حنيفة أن يقولوا : خرج عنه المستجير الكثير جدا بالاجماع فيبقى ما عداه على حكم النص فيدخل تحته ما زاد على القلتين .
ويقول أصحاب الشافعي : خرج الكثير المستبحر بالإجماع الذي ذكرتموه وخرج القلتان فما زاد بمقتضى حديث القلتين فيبقى ما نقص عن القلتين داخلا تحت مقتضى الحديث .
ويقول من نصر قول أحمد المذكور : خرج ما ذكرتموه وبقي ما دون القلتين داخلا تحت النص إلا أن ما زاد على القلتين مقتضى حديث القلتين فيه عام في الأنجاس فيخص ببول الآدمي .
ولمخالفهم أن يقول : قد علمنا جزما أن هذا النهي إنما هو لمعنى في النجاسة وعدم التقرب إلى الله بما خالطها وهذا المعنى يستوي فيه سائر الأنجاس ولا يتجه تخصيص بول الآدمي منها بالنسبة إلى هذا المعنى فإن المناسب لهذا المعنى - أعني التنزه عن الأقذار - أن يكون ما هو أشد استقذارا أوقع في هذا المعنى وأنسب له وليس بول الآدمي بأقذر من سائر النجاسات بل قد يساويه غيره أو يرجح عليه فلا يبقى لتخصيصه دون غيره بالنسبة إلى المنع معنى فيحمل الحديث على أن ذكر البول ورد تنبيها على غيره مما يشاركه في معناه من الاستقذار والوقوف على مجرد الظاهر ههنا - مع وضوح المعنى وشموله لسائر النجاسات - ظاهرية محضة