اختلف الناس في تسمية العشاء بالعتمة .
الثاني : اختلف الناس في كراهية تسمية العشاء بالعتمة فمنهم من أجازه واستدل بهذا الحديث وفي الاستدلال به نظر فإن قوله أعتم أي دخل في وقت العتمة والمراد : صلى فيه ولا يلزم من ذلك أن يكون سمى العشاء عتمة وأصح منه : الاستدلال بقوله A [ لو يعلمون ما في العتمة والصبح ] ومنهم من كره ذلك قال الشافعي وأحب أن لا تسمى صلاة العشاء بالعتمة ومستنده هذا الحديث الصحيح عن ابن عمر : أن النبي A قال [ لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء ولكنهم يعتمون بالإبل ] أي يؤخرون حلبها إلى أن يظلم الظلام وعتمة الليل : ظلمته كما قدمناه .
وهذا الحديث يدل على هذا المقصود من وجوه أحدها : صيغة النهي والثاني : ما في قوله تغلبنكم فإن فيه تنفيرا عن هذه التسمية فإن النفوس تأنف من الغلبة والثالث : إضافة الصلاة إليهم في قوله [ على اسم صلاتكم ] فإن فيه زيادة ألا ترى أن لو قلنا : لا تغلبن على مالك : كان أشد تنفيرا من قولنا : لا تغلبن على مال أو على المال ؟ لدلالة الإضافة على الاختصاص به .
ولعل الأقرب : أن تجوز هذه التسمية ويكون الأولى تركها وقد قدمنا الفرق بين كون الأولى ترك الشيء وبين كونه مكروها أما الجواز : فلفظ الرسول A واما عدم الأولوية : فللحديث المذكور ولفظ الشافعي - وهو قوله لا أحب - أقرب إلى ما ذكرناه من قول من قال من أصحابه ويكره أن يقال لها العتمة .
أو يقول : المنهي عنه إنما هو الغلبة على الاسم وذلك بأن يستعمل دائما أو أكثريا ولا يناقضه أن يستعمل قليلا فيكون الحديث من باب استعماله قليلا .
أعني قوله A [ ولو يعلمون ما العتمة والصبح ] ويكون حديث ابن عمر محمولا على أن تسمى بذلك الاسم غالبا أو دائما .
الثالث : في الحديث دليل على أن الأولى : تأخير العشاء وقد قدمنا اختلاف العلماء فيه ووجه الاستدلال : قوله A [ لولا أن أشق على أمتي أو على الناس ] الخ وفيه دليل على أن المطلوب تأخيرها لولا المشقة .
الرابع : قد حكينا أن العتمة اسم لثلث الليل بعد غيبوبة الشفق فلا ينبغي أن يحمل قوله أعتم على أول أجزاء هذا الوقت فإن أجزائه : بعد غيبوبة الشفق ولا يجوز تقديم الصلاة على ذلك الوقت وإنما ينبغي أن يحمل على آخره أو ما يقارب ذلك فيكون ذلك مخالفا للعادة وسببا لقول عمر Bه رقد النساء والصبيان .
الخامس : قد كنا قدمنا في قوله A [ لولا أن اشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ] أنه استدل بذلك على أن الأمر للوجوب فلك أن تنظر : هل يتساوى هذا اللفظ مع ذلك في الدلالة أم لا ؟ .
فأقول : لقائل أن يقول : لا يتساوى مطلقا فإن وجه الدليل ثم : أن كلمة لولا تدل على انتفاء الشيء لوجود غيره فيقتضي ذلك انتفاء الأمر لوجود المشقة والأمر المنفي ليس أمر الاستحباب لثبوت الاستحباب فيكون المنتفي هو أمر الوجوب فثبت أن الأمر المطلق للوجوب فإذا استعملنا هذا الدليل في هذا المكان وقلنا : إن الأمر المنفي ليس أمر الاستحباب - لثبوت الاستحباب - توجه المنع ههنا عند من يرى أن تقديم العشاء أفضل بالدلائل الدالة على ذلك اللهم إلا أن يضم إلى الاستدلال : الدلائل الخارجة الدالة على استحباب التأخير فيترجح على الدلائل المقتضية للتقديم ويجعل ذلك مقدمة ويكون المجموع دليلا على أن الأمر للوجوب فحينئذ يتم ذلك بهذه الضميمة .
السادس : في الحديث دليل على تنبيه الأكابر : إما لاحتمال غفلة أو لاستثارة فائدة منهم في التنبيه لقول عمر رقد النساء والصبيان .
السابع : يحتمل أن يكون قوله رقد النساء والصبيان راجعا إلى من حضر المسجد منهم لقلة احتمالهم المشقة في السهر فيرجع ذلك إلى أنهم كانوا يحضرون المسجد لصلاة الجماعة ويحتمل أن يكون راجعا إلى من خلفه المصلون في البيوت من النساء والصبيان ويكون قوله رقد النساء إشفاقا عليهم من طول الانتظار