تحقيق القول في الصلاة الوسطى .
فيه بحثان : أحدهما : أن العلماء اختلفوا في تعيين الصلاة الوسطى فذهب أبو حنيفة و أحمد إلى أنها العصر ودليلهما هذا الحديث مع غيره وهو قوي في المقصود وهذا المذهب هو الصحيح في المسألة وميل مالك و الشافعي إلى اختيار صلاة الصبح والذين اختاروا ذلك اختلفوا في طريق الجواب عن هذا الحديث فمنهم من سلك فيه مسلك المعارضة وعورض بالحديث الذي رواه مالك من حديث أبي يونس مولى عائشة أم المؤمنين أنه قال أمرتني عائشة : أن أكتب لها مصحفا ثم قالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فلما بلغتها آذنتها فأملت علي : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر وقوموا لله قانتين ثم قالت : سمعتها من رسول الله A وروى مالك أيضا عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع قال كنت أكتب مصحفا لحفصة أم المؤمنين فقالت : إذا بلغت هذه الآية فآذني { حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى } فلما بلغتها آذنتها فأملت علي : حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين .
ووجه الاحتجاج منه : أنه عطف صلاة العصر على ال الصلاة الوسطى والمعطوف والمعطوف عليه متغايران ويقع الكلام في هذا من وجهين : .
أحدهما : أنه يتعلق بمسألة أصولية وهو أن ماروى من القرآن بطريق الآحاد - إذا لم يثبت كونه قرآنا - فهل يتنزل منزلة الأخبار في العمل به ؟ فيه خلاف بين الأصوليين والمنقول عن أبي حنيفة : أنه يتنزل منزلة الأخبار في العمل به ولهذا أوجب التتابع في صوم الكفارة للقراءة الشاذة فصيام ثلاثة أيام متتابعات والذي اختاره خلاف ذلك وقالوا : لا سبيل إلى إثبات كونه قرأنا بطريق الآحاد ولا إلى اثبات كونه خبرا لأنه لم يرو على أنه خبر .
الثاني : احتمال اللفظ للتأويل وأن يكون ذلك كالعطف في قول الشاعر : .
( إلى الملك القرم وابن الهمام وليث الكتيبة في المزدحم ) .
فقد وجد العطف ههنا مع اتحاد الشخص وعطف الصفات بعضها على بعض موجود في كلام العرب .
وربما سلك بعض من رجح أن الصلاة الوسطى صلاة الصبح : طريقة أخرى وهو ما يقتضيه قرينة قوله تعالى { وقوموا لله قانتين } من كونها الصبح الذي فيه القنوت وهذا ضعيف من وجهين .
أحدهما : أن القنوت لفظ مشترك يطلق على القيام وعلى السكوت وعلى الدعاء وعلى كثرة العبادة فلا يتعين حمله القنوت الذي في صلاة الصبح .
الثاني : أنه قد يعطف حكم على حكم وإن لم يجتمعا معا في محل واحد مختصمين به فالقرينة ضعيفة .
وربما سلكوا طريقا أخرى وهو إيراد الأحاديث التي تدل على تأكيد أمر صلاة الفجر كقوله A [ لو يعلمون ما العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ] ولكونهم كانوا يعلمون نفاق المنافقين بتأخرهم عن صلاة العشاء والصبح وهذا معارض بالتأكيدات الواردة في صلاة العصر كقوله A [ من صلى البردين دخل الجنة ] وكقوله [ فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ] وقد حمل قوله D { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } على صلاة الصبح والعصر بل نزيد فنقول : قد ثبت من التشديد في ترك صلاة العصر ما لا نعلمه ورد في صلاة العصر وهو قوله A [ من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله ] .
وربما سلك من رجح الصبح طريق المعنى وهو أن تخصيص الصلاة الوسطى بالأمر بالمحافظة لأجل المشقة في ذلك وأشق الصلوات : صلاة الصبح لأنها تأتي في حال النوم والغفلة وقد قيل : إن ألذ النوم إغفاءة الفجر فناسب أن تكون هي المحثوث على المحافظة عليها وهذا قد يعارض في صلاة العصر بمشقة أخرى وهي أنها وقت اشتغال الناس بالمعاش والتكسب ولو لم يعارض بذلك لكان المعنى الذي ذكره في صلاة الصبح ساقط الاعتبار مع النص على أنها العصر وللفضائل والمصالح مراتب لا يحيط بها البشر فالواجب اتباع النص فيها .
وربما سلك المخالف لهذا المذهب مسلك النظر في كونها وسطى من حيث العدد وهذا عليه أمران أحدهما : أن الوسطى لا يتعين أن تكون من حيث العدد فيجوز أن تكون من حيث الفضل كما يشير إليه قوله تعالى { وكذلك جعلناكم أمة وسطا } أي عدولا الثاني : أنه إذا كان منحيث العدد فلا بد من أن يعين ابتداء في العدد يقع بسببه معرفة الوسط وهذا يقع فيه التعارض فمن يذهب إلى أنها الصبح يقول : سبقتها المغرب والعشاء ليلا وبعدها الظهر والعصر نهارا فكانت هي الوسطى ومن يقول هي المغرب يقول : سبق الظهر والعصر وتأخر العشاء والصبح فكانت المغرب هي وسطى ويترجح هذا بأن صلاة الظهر قد سميت الأولى