الاختلاف في طهارة المني وكيف يزال .
اختلف العلماء في طهارة المني ونجاسته فقال الشافعي و أحمد بطهارته وقال مالك و أبو حنيفة بنجاسته .
والذين قالوا بنجاسته : اختلفوا في كيفية إزالته فقال مالك : يغسل رطبه ويابسه وقال أبو حنيفة يغسل رطبه ويفرك يابسه أما مالك : فعمل بالقياس في الحكمين أعني نجاسته وإزالته بالماء .
أما نجاسته : فوجه القياس فيه من وجوه أحدها : أن الفضلات المستحيلة إلى الاستقذار في مقر تجتمع فيه : نجسة والمني منها فليكن نجسا وثانيها : أن الأحداث الموجبة للطهارة نجسة والمني منها أي من الأحداث الموجبة للطهارة وثالثها : أنه يجري في مجرى البول فينجس .
وأما في كيفية إزالته : فلأن النجاسة لا تزال إلا بالماء إلا ما عفي عنه من آثار بعضها والفرد ملحق بالأعم الأغلب .
وأما أبو حنيفة : فإنه اتبع الحديث في فرك اليابس والقياس في غسل الرطب ولم ير الاكتفاء بالفرك دليلا على الطهارة وشبهه بعض أصحابه بما جاء في الحديث من دلك النعل من الأذى وهو قوله A [ إذا وطئ أحدكم الأذى بخفه أو بنعله فطهورهما التراب ] رواه الطحاوي من حديث أبي هريرة فإن الاكتفاء بالدلك فيه لا يدل على طهارة الأذى .
وأما الشافعي : فاتبع الحديث في فرك اليابس ورآه دليلا على الطهارة فإنه لو كان نجسا لما اكتفى فيه إلا بالغسل قياسا على سائر النجاسات فلو اكتفى بالفرك - مع كونه نجسا - لزم خلاف القياس والأصل : عدم ذلك .
وهذا الحديث يخالف ظاهره ما ذهب إليه مالك وقد اعتذر عنه بأن حمل على الفرك بالماء وفيه بعد لأنه ثبت في بعض الروايات في هذا الحديث عن عائشة Bها أنها قالت [ لقد رأيتني وإني لأحكه من ثوب رسول الله A يابسا بظفري ] وهذا تصريح بيبسه وأيضا في رواية يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة قالت [ كنت أفرك المني من ثوب رسول الله A إن كان يابسا وأغسله أو أمسحه إذا كان رطبا ] شك الراوي وهذا التقابل بين الفرك والغسل : يقتضي اختلافهما .
والذي قرب التأويل المذكور - عند من قال به - ما في بعض الروايات عن عائشة : أنها قالت لضيفها الذي غسل الثوب إنما يجزيك - إن رأيته - أن تغسل مكانه وإن لم تره نضحت حوله فلقد رأيتني أفركه من ثوب رسول الله A فحصرت الإجزاء في الغسل لما رآه وحكمت بالنضح لما لم يره وهذا حكم النجاسات فلو كان هذا الفرك المذكور من غير ماء : ناقض آخر الحديث أوله الذي يقتضي حصر الإجزاء في الغسل ويقتضي إجراء حكم سائر النجاسات عليه في النضح إلا أن دلالة قولها لأحكه يابسا بظفري أصرح وأنص على عجم الماء مما ذكر من القرائن من كونه مفروكا بالماء والحديث واحد اختلفت طرقه وأعني بالقرائن : النضح لما لم يره وقولها : إنما كان يجزيك .
ومن الناس من سلك طريقة أخرى في الأحاديث التي اقتصر فيها على ذكر الفرك قال : هذا لا يدل إلا على الفرك من الثوب وليس فيه دلالة على أنه الثوب الذي يصلي فيه فيحمل على ثوب النوم ويحمل الحديث الآخر الذي ذكره المصنف - وهو قولها [ فيخرج إلى الصلاة وإن بقع الماء في ثوبه ] - على ثوب الصلاة .
ولا يقال : إذا حملتم الفرك إلى غير ثوب الصلاة فأي فائدة في ذكر ذلك ؟ .
لأنا نقول : فائدته بيان جواز لبس الثوب النجس في غير حالة الصلاة .
وهذه الطريقة قد تتمشى لو لم تأت روايات صحيحة بقولها [ ثم يصلي فيه ] وفي بعضها [ فيصلي فيه ] وأخذ بعضهم من كون الفاء للتعقيب : أنه يعقب الصلاة بالفرك ويقتضي ذلك عدم الغسل قبل الدخول في الصلاة إلا أنه قد ورد بالواو وبثم أيضا في هذا الحديث واحدا فالألفاظ مختلفة .
والمقول منها واحد فتقف الدلالة بالفاء إلا لمرجح لها وإن كانت الرواية بالفاء حديثا مفردا فيتجه ما قاله .
واعلم أ احتمال غسله بعد الفرك واقع لكن الأصل عدمه فيتعارض النظر بين اتباع هذا الأصل وبين اتباع القياس ومخالفة هذا الأصل فما ترجح منهما عمل به لا سيما إن انضمت قرائن في لفظ الحديث تنفي هذا الاحتمال فإذا ذاك يتقوى العمل به وينظر إلى الراجح بعد تلك القرائن أو من القياس .
وقد استعمل في هذا الحديث لفظ الجنابة بإزاء المني وقد ذكرنا أنه يستعمل بإزاء المنع والحكم الشرعي المرتب على خروج الخارج والله أعلم