تعريف الحج : .
لغة : القصد إلى معظم .
شرعا : أعمال مخصوصة في زمان مخصوص ومكان مخصوص على وجه مخصوص أو قصد مكة لعمل مخصوص في زمن مخصوص .
حكمه : فرض في العمرة مرة على الفور فكل من توفرت فيه شروط وجوبه ثم أخره عن أول عام استطاع فيه يكون آثما بالتأخير .
دليل فرضيته : .
ثبتت فرضية الحج بالكتاب والسنة والإجماع .
فمن القرآن قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ( 2 ) .
ومن السنة : ما روى أبو هريرة Bه قال : ( خطبنا رسول الله A فقال : أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا . فقال : رجل : أكل عام ؟ يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله A : لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنما هلك م كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم . وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه ) ( 2 ) . وحديث ابن عمر Bهما قال : قال رسول الله A : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله . وإقام الصلاة . وإيتاء الزكاة . وحج البيت . وصوم رمضان ) ( 3 ) . [ ص 422 ] .
_________ .
( 1 ) آل عمران : 97 .
( 2 ) مسلم : ج - 2 / كتاب الحج باب 73 / 412 .
( 3 ) مسلم : ج - 1 / كتاب الإيمان باب 5 / 21 .
_________ .
ودليل فوريته : حديث ابن عباس Bهما قال : قالرسول الله : ( من أراد الحج فليتعجل . فإنه قد يمرض المريض وتضل الضالة وتعرض الحاجة ) ( 1 ) وعن علي بن أبي طالب Bه قال : قال رسول الله A : ( من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا . وذلك أن الله يقول في كتابه : والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ) ( 2 ) .
_________ .
( 1 ) ابن ماجة : ج - 2 / كتاب المناسك باب 1 / 2883 .
( 2 ) الترمذي : ج - 3 / كتاب الحج باب 3 / 812 .
_________ .
شروط الحج : .
- 1 - شروط وجوب الحج : .
أولا : الإسلام : فلا يجب الحج على الكافر كما لا يصح منه سواء كان كافرا أصليا أم مرتدا .
ثانيا : العقل : فلا يجب على المجنون كما لا يصح منه كالصبي غير المميز .
ثالثا : البلوغ : فلا يجب على الصبي الذي لم يبلغ الحلم وإن حج فلا يجزئ عن حجته الإسلام لما روى ابن عباس Bهما عن النبي A قال : ( أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى ) ( 1 ) . فإذا بلغ الصبي قبل الوقوف بعرفة أو بعده ثم عاد إلى عرفة فوقف في وقته أجزأه حجه عن حجة الإسلام ما لم يكن أحرم مفردا أو قارنا وكان سعى بعد طواف القدوم .
والدليل على أن حج الصبي صحيح ما روى ابن عباس Bهما قال : ( رفعت امرأة صبيا . فقالت : يا رسول الله ألهذا حج ؟ قال : نعم ولك أجر ) ( 2 ) إلا أنه يجب على الصبي أن يحرم بإذن وليه إن كان مميزا فإن أحرم بدون أذنه لم يصح حجه . أما الصبي غير المميز فيحرم عنه وليه الذي يلي ماله سواء كان الوالي محلا أو محرما وسواء حج عن نفسه أم لم يحج فيقول : ( نويت الحج عن [ ص - 423 ] فلان ) فيصير الصبي محرما دون وليه وإن أحرمت أمه عنه صح أما الصبي فلا يضح إحرامه عن نفسه ثم ما قدر الصبي على فعله من أفعال الحج كالوقوف بعرفة وبمزدلفة فعليه فعله وما لا يمكنه فعله فعله عنه وليه كالرمي لما روى جابر Bه قال : ( حججنا مع رسول الله A ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم ) ( 3 ) ولكن لا يجوز الرمي عن الصبي إلا من قبل من أسقط فرض الرمي عن نفسه . أما الطواف فإن أمكنه المشي طاف وإلا طيف به محمولا فقد روى الأثرم عن أبي إسحاق ( أن أبا بكر الصديق Bه طاف بابن الزبير في خرقة ) .
وأما ما يرتكبه الصبي من محظورات الإحرام إن كان مما يفرق بين عمده وسهوه فلا فدية فيه لأن عمد الصبي خطأ وإن كان مما يستوي عمده وسهوه كجزاء الصيد ونحوه ففيه الفدية . وإن وطئ الصبي أفسد حجه ووجبت الفدية ويمضي في حجة فاسدة وعليه القضاء إذا بلغ ولا تجزئ حجة القضاء هذه عن حجة الإسلام .
رابعا : الحرية : فلا يجب الحج على العبد وإن حج فحجه صحيح سواء كان بإذن سيده أم بدون إذنه لكن إذا كان أحرم بإذن سيده فليس له أن يحلله أما إن أحرم بدون أذنه فله أن يحلله بعد أن أحرم وفي كلتا الحالتين لا يجزئ حجه عن حجة الإسلام . وإن نذر العبد الحج انعقد نذره فإن نذر بإذن سيده لم يملك منعه من الوفاء به أما إن نذر بدون أذن وليه فله أن يمنعه وعليه الوفاء بنذره متى أعتق ولكن بعد حجة الإسلام .
وإن أتى العبد بفعل مما يوجب الفدية فعليه أن يفدي بالصيام وإن أفسد حجه فعليه إتمامه وعليه الصوم بدلا من البدنة .
خامسا : الاستطاعة : فلا يجب الحج على غير المستطيع بدليل قوله تعالى : { ولله على الناس حج البيت من أستطاع إليه سبيلا } فلو تكلف العاجز [ ص 424 ] الحج أجرأه ووقع موقعه أي سقط عنه رفقا به لكن إن حج كلا على الناس لمسألته إياهم وتثقيله عليهم كره له ذلك وإن لم يكن كلا على أحد لقوته على المشي والتكسب بصناعة أو معاونة من ينفق عليه فهو مستحب لقوله تعالى : { يأتون رجالا وعلى كل ضامر } ( 4 ) .
_________ .
( 1 ) البيهقي : ج - 5 / ص 179 .
( 2 ) مسلم : ج - 2 / كتاب الحج باب 72 / 410 .
( 3 ) ابن ماجة : ج - 2 / كتاب المناسك باب 68 / 3038 .
( 4 ) الحج : 27 .
_________ .
ماهية الاستطاعة : .
- 1 - للآفاقي : القدرة على الزاد والراحلة الصالحة لمثله بشراء أو كراء وما يحتاج إليه من آلتها عن ابن عمر Bهما قال : ( جاء رجل إلى النبي A فقال : يا رسول الله ما يوجب الحج ؟ قال : الزاد والراحلة ) ( 1 ) والزاد يشمل ما يلي : .
- 1 - المأكل . 2 - المشرب . 3 - الكسوة لذهابه أو رجوعه .
- 4 - القدرة على الماء وعلف البهائم في محطات الطريق ولا يكلف بحمل ذلك من بلده لما فيه من المشقة . 5 - القدرة على أوعية الزاد والماء .
ويشترط في الزاد والراحلة أن يكونا فاضلين عما يحتاج إليه لقضاء دين حال أو مؤجل وعن نفقة عيال وما يحتاج إليه من مسكن وخادم حتى يعود ولا يجب عليه بيع دار سكنه أو دار يحتاج إلى أجرتها لنفقته أو نفقة عياله أو بضاعة يختل ربحها المحتاج إليه لذلك أو آلات صناعية أو كتب علم محتاج إليها لأن كل ذلك أشبه بالنفقة . أما من كان من ذلك زائدا عن حاجته كمن له من كتاب نسختان أو له دار فاضلة أو مسكن واسع يكفيه بعضه فعليه صرف ذلك في الحج . أما من كان معه مال وأراد النكاح به لخوف العنت قدم النكاح على الحج وإن لم يخف اعنت وجب عليه تقديم الحج على النكاح . ومن بذل له ولده أو غيره مالا ليحج به لم يلزمه قبوله أو بذل له أن يحج عنه لم يلزمه قبوله أيضا لما فيه من المنة والمشقة على نفسه . [ ص 425 ] .
- 2 - الاستطاعة للمكي أو لمن بينه وبين مكة دون مسافة القصر : هي القدرة على الحج ماشيا من غير مشقة شديدة مع القدرة على الزاد .
سادسا : أمن الطريق : أي أن لا يكون في الطريق مانع من خوف على نفسه أو ماله أو عرضه سواء كان الطريق برا أم بحرا فينبغي أن تغلب السلامة فيه وإلا لم يجب عليه الحج . وإن كان الطريق آمنا لكن هناك خفارة ( قطاع طرق تطلب منه مالا كي تسمح له بالمرور ) فيجب عليه الحج إن كان المبالغ معقولا كما قال ابن حامد وقال القاضي : لا يلزمه الحج لأنها رشوة في الواجب فلم تلزمه .
وهو شرط للزوم الأداء دون الوجوب إذا توفرت شروط الوجوب .
سابعا : أن يكون المكلف مبصرا فإن كان أعمى فإنه لا يجب عليه أداء الحج إلا إذا وجد قائدا يقوده وإلا لا يجب عليه الحج لا بنفسه ولا بغيره . وهو شرط للزوم الأداء أيضا .
يضاف إلى هذه الشروط شروط أخرى تتعلق بالمرأة .
أ - وجود المحرم : . لما روى أبو هريرة Bه عن النبي A قال : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم ) ( 1 ) .
شروط المحرم : .
- 1 - أن يكون زوجها أو من تحرم عليه مؤبدا إما بنسب أو رضاع أو مصاهرة أو من تحرم عليه بسبب مباح كابن زوجها أو أبيه .
- 2 - أن يكون ذكرا .
- 3 - أن يكون مسلما حرا بالغا عاقلا .
أما عبدها فليس بمحرم لها لأنها تحل له إذا أعتق وليس بمأمون عليها وكذا من حرمت عليه بسبب محرم كالزنا أو وطء لشبهة فليس بمحرم .
- 4 - أن تكون المرأة قادرة على النفقة عليه . [ ص 426 ] .
موت المحرم : إن مات المحرم في الطريق أتمت حجها إن كانت تباعدت وإن كانت قريبة رجعت .
ولا يحق للزوج منع زوجته من حج الفرض لأنه واجب بأصل الشرع فأشبه صوم رمضان لكن يستحب لها استئذانه . أم حج النفل فله منعها منه لأن حقه ثابت في استمتاعه بها فلا تملك إبطاله بما لا يلزمها فإن أحرمت بحج التطوع من غير إذنه فله أن يحللها كالعبد وسيده .
ب - أن لا تكون معتدة عدة وفاة لأن عدة الوفاة واجبة في المنزل فتفوت بخروجها لذا تقدم على الحج الذي لا يفوت . فإن مات زوجها في الطريق وكانت قد تباعدت فلها أن تتم حجها لأنه لا بد من سفرها فالسفر الذي يحصل به الحج أولى أما إن كانت قريبة رجعت لتقضي العدة في بيتها .
فإن حجت المرأة بلا محرم حرم سفرها وأجزأها حجها .
_________ .
( 1 ) مسلم : ج - 2 / كتاب الحج باب 74 / 420 .
_________ .
- 2 - شروط صحة الحج : .
- 1 - الإسلام فلا يصح من الكافر كما لا يصح عنه .
- 2 - العقل : فلا يصح من المجنون .
- 3 - التمييز بشرط أن يحرم بإذن وليه فإن لم يأذن له وليه لم يصح إحرامه .
أما المجنون والصبي غير المميز فيصح أن يحرم عنهما وليهما ولكن بشرط أن يحضرهما كل المواقف والمشاهد فيطوف ويسعى بهما ويأخذهما إلى عرفة . . . الخ .
- 3 - شروط الإجزاء عن حجة الإسلام : .
- 1 - البلوغ .
- 2 - الحرية .
ودليل ذلك ما روى ابن عباس Bهما عن النبي A قال : ( أيما صبي حج ثم بلغ الحنث فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما أعرابي حج ثم هاجر فعليه أن يحج حجة أخرى وأيما عبد حج ثم أعتق فعليه حجة أخرى ) ( 1 ) . [ ص 427 ] فإذا بلغ الصبي أو أعتق العبد قبل الوقوف بعرفة أو بعده ثم عاد إليه قبل أن ينتهي وقته أجزأهما عن حجة الإسلام ما لم يكونا أحرما على وجه الإفراد أو القران وسعيا بعد طواف القدوم .
- 4 - شروط الأداء بالنفس : السلامة : أي كونه على حال يمكنه الثبوت على الراحلة فإن عدم ذلك لمرض لا يرجى برؤه أو كبر وكانت توفرت فيه شرائط الوجوب كلها وجب عليه أن يستنيب من يحج عنه ويعتمر .
الاستتابة بالحج ( الحج عن الغير ) : .
حكمها : .
آ - واجبة على الفور في الحالات التالية : .
- 1 - عن الحي المعضوب أو كبير السن الذي لا يستطيع الظعن أو المريض الذي لا يرجى برؤه ويمنعه من الحج فإنه يحج عنه بإذنه بدليل ما روي عن أبي رزين العقيلي ( أنه أتى النبي A فقال : يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج ولا العمرة ولا الظعن قال : حج عن أبيك واعتمر ) ( 1 ) .
- 2 - من وجب عليه الحج في حياته فمات ولم يحج سواء كانت حجة الإسلام أو حجة أو نذر أو حجة قضاء ولو لم يوص بها لما ورد عن ابن عباس Bهما ( أن امرأة من جهينة جاءت إلى النبي A فقالت : إن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها ؟ قال A : نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ اقضوا الله فالله أحق بالوفاء ) ( 2 ) وروي عنه أيضا : ( أن امرأة سألت النبي A عن أبيها مات ولم يحج . قال : حجي عن أبيك ) ( 3 ) . [ ص 428 ] .
ب - جائزة في حج التطوع عن الحي والميت في الحالات المذكورة في وجوب الاستنابة على الفور لأن ما جاز فرضه جاز نفله .
_________ .
( 1 ) ابن ماجة : ج - 2 / كتاب المناسك باب 10 / 2906 .
( 2 ) البخاري : ج - 2 / كتاب الإحصار وجزاء الصيد باب 33 / 1754 .
( 3 ) النسائي : ج - 5 / ص 117 .
_________ .
شروط المستناب : .
- 1 - أن لا يكون عليه حجة فرض ( حجة الإسلام أو نذر أو قضاء ) لما روى ابن عباس Bهما ( أن النبي A سمع رجلا يقول : لبيك عن شبرمة . قال : من شبرمة ؟ قال : أخ لي أو قريب لي قال : حججت عن نفسك ؟ قال : لا . قال : حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة ) ( 1 ) .
- 2 - أن يكون حرا ولو امرأة بشرط أن يكون معها محرم .
- 3 - أن يخرج المستناب من بلد المستنيب أو من الموضع الذي أوسر فيه المنيب .
- وإن مات الحاج في الطريق استنيب عنه من حيث انتهى عليه لأنه أسقط عنه ما ساره وإن مات بعد فعل بعض المناسك فعل عنه ما بقي لأن ما جاز أن ينوب عنه في جميعه جاز في بعضه كزكاة وسواء كان إحرامه لنفسه أو عن غيره .
فإن لم يخلف الميت تركة تفي بالحج عنه من بلده حج عنه من حيث تبلغ لما روى أبو هريرة Bه عن النبي A قال : ( وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ( 2 ) .
وهذا ما ذهب إليه الإمام أحمد .
نفقة المستناب : .
تؤخذ نفقة المستناب من تركة الميت من رأس ماله لأن الحج واجب فكان من رأس ماله كالدين فإن اجتمع على الميت مع الحج دين آدمي وضاق ماله عنهما فإنهما يتحاصا لما روي عن ابن عباس Bهما قال : ( أتى رجل [ ص 429 ] النبي A فقال له : إن أختي نذرت أن تحج وإنها ماتت فقال النبي A : لو كان عليها دين أكنت قاضيه ؟ قال : نعم قال : فاقض الله فهو أحق بالقضاء ) ( 3 ) . فعلى هذا يؤخذ ما يخص الحج فيصنع به ما صنع بتركة من لم يخلف ما يفي بالحجة الواجبة ويحج به عنه من حيث يكفي هذا المال للحديث المتقدم : ( وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) . [ ص 430 ] .
_________ .
( 1 ) أبو داود : ج - 2 / كتاب المناسك باب 26 / 1811 .
( 2 ) البخاري : ج - 6 / كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة باب 2 / 6858 .
( 3 ) البخاري : ج - 6 / كتاب الإيمان والنذور باب 29 / 6321