قصر الصلاة .
تعريفه : قصر الصلاة هو أن يصلي المكلف الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين .
حكمه : رخصة للمسافر سفرا طويلا . والرخصة يجوز تركها لكن القصر أفضل لأن النبي A وأصحابه داوموا عليه وعابوا من تركه .
أما الملاح الذي أهله في السفينة وحاجة بيته معه ولا بيت له غيرها وليس له نية المقام في بلد فلا يقصر لأنه غير ظاعن عن بلده ومنزله فأشبه المقيم في البلد .
دليله : من القرآن قوله تعالى : ( وإذا ضربتم ( 1 ) في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) ( 2 ) .
ومن السنة : عن يعلى بن أمية قال : ( قلت لعمر بن الخطاب : ليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا فقد أمن الناس . فقال : عجبت مما عجبت منه فسألت رسول الله A عن ذلك فقال : [ ص 293 ] صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) ( 3 ) . وروى يحيى بن أبي إسحق قال : سمعت أنسا يقول : ( خرجنا مع النبي A من المدينة إلى مكة فكان يصلي ركعتين ركعتين حتى رجعنا إلى المدينة . . . ) ( 4 ) . وقد أجمعت الأمة على مشروعية القصر .
_________ .
( 1 ) ضربتم : سافرتم برا أو بحرا .
( 2 ) النساء : 101 .
( 3 ) مسلم : ج - 1 / كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب 1 / 686 .
( 4 ) البخاري : ج - 1 / تقصير الصلاة باب 1 / 1031 .
_________ .
شروط جواز القصر : .
- 1 - أن يكون السفر طويلا أي مسافة أربعة برد ( 1 ) أي مسير يوم وليلة بسير الإبل المحملة بالأثقال سيرا معتادا سواء كان السفر برا أم بحرا والعبرة للمسافة لا لمسيرة السفر فإن شك بمقدار المسافة لم يبح له القصر لأن الأصل للإتمام فلا يزول بالشك .
- 2 - أن ينوي السفر الطويل في بدئه فلو قصر ثم بدا له الإقامة أو رجع كانت صلاته صحيحة أما من خرج طالبا لآبق أو هائما على وجهه فلا يباح له القصر ولو سافر شهرا لأن نية السفر الطويل لم توجد في البدء . وكذا لا تعتبر نية التابع إلا إذا وافقت نية المتبوع فلو خرج مكرها كالأسير يقصد به بلد بعينه فله القصر لأنه تابع لمن يقصد مسافة القصر .
- 3 - أن يكون السفر مباحا ( ومن باب أولى أن يكون السفر واجبا كالحج والجهاد وقضاء الدين أو مسنونا كزيارة الرحم ) للتجارة أو النزهة . فلو كان السفر حراما كأن سافر لسرقة مال أو لقطع طريق أو تجارة في الخمر أو نحو ذلك فلا يقصر وإذا قصر لم تنعقد صلاته ولا يترخص بشيء من رخص السفر لأنه لا يجوز تعليق الرخص بالعاصي . أما إن عصى في سفر مباح أو واجب أو مندوب فلا يمنع القصر . [ ص 294 ] .
- 4 - شروعه في السفر بخروجه من بيوت قريته أو بلدته لأن الله تعالى قال : { وإذا ضربتم فيالأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ولا يكون ضاربا في الأرض حتى يخرج . ويجوز له القصر بين حيطان البساتين لأنها ليست من حيطان البلد ولا تبنى للسكنى . وإن خرب بعض البلد فصار فضاء فهو كالصحراء وإن كانت حيطانه قائمة أما إذا اتصل بالبيوت الخربة بيوت عامرة فلا يقصر إلا إذا فارقهما معا ولا يقصر إذا اتصل بالخراب بساتين يسكنها أصحاب للرياضة في الصيف مثلا إلا إذا جاوز تلك البساتين . أما إن كان من سكان الخيام أو القصور أو البساتين فلا يقصر حتى يفارق خيامه أو المكان تنسب إليه البساتين أو القصور عرفا . أما المسافر بحرا فيعتبر شروعه في السفر بركوبه الباخرة وشروعها في الحركة .
_________ .
( 1 ) أي 16 / فرسخ وتساوي 48 ميل أو 81 كيلو متر تقريبا .
_________ .
شروط صحة القصر : .
- 1 - أن ينوي القصر مع نية الإحرام فإن شك في نية القصر لزمه الإتمام لأنه الأصل . فلو نوى الإتمام في ابتداء الصلاة أو أثنائها أو ما يلزمه الإتمام كالإقامة أو قلب نيته إلى سفر قصير أو معصية لزمه إتمام الصلاة ولزم من خلفه متابعته .
- 2 - أن يعتقد جواز القصر فلو قصر وهو معتقد التحريم ( تحريم القصر ) فصلاته فاسدة لأنه فعل ما يعتقد تحريمه .
- 3 - أن لا تكون الصلاة وجبت في الحضر فلو ترك صلاة حضر وقضاها في السفر لم يجز له قصرها . ومن سافر بعد دخول وقت الصلاة ولم يصلها وصلاها في السفر ولم يجز له قصرها . وإن نسي صلاة سفر فذكرها في الحضر أتمها ولم يقصر فيها أما إن ذكرها في سفر آخر فيقصرها .
- 4 - أن لا يأتم المسافر الذي يقصر الصلاة بمقيم ولا بمسافر يتم فإن ائتم بمقيم لزمه الإتمام سواء أئتم به في الصلاة كلها أو جزئها لأن ابن عمر Bهما سئل عن ( المسافر يدرك ركعتين من صلاة القوم يعني المقيمين أتجزيه الركعتان [ ص 295 ] أو يصلي بصلاتهم قال : فضحك وقال : يصلي بصلاتهم ) ( 1 ) ولو أدرك المسافر من الجمعة أقل من ركعة لزمه إتمامها أربعة لائتمامه بمقيم . ومن ائتم بمقيم ففسدت صلاته لم يجز له قصرها بعد ذلك لأنها تعنيت عليه تامة لائتمامه بمقيم .
ومن أحرم مع من يظنه مقيما أو يشك في إقامته لزمه الإتمام ولو قصر إمامه اعتبارا بالنية وإن غلب على ظنه أنه مسافر فله أن ينوي القصر ويتبع إمامه فيقصر بقصره ويتم بإتمامه .
وإن أم المسافر مقيما لزم المقيم الإتمام ويستحب للإمام أن يقول لهم : أتموا فإنا قوم سفر لما روى عمران بن الحصين Bه قال : ( غزوت مع رسول الله A وشهدت معه الفتح فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ويقول : يا أهل البلد صلوا أربعا فإنا قوم سفر ) ( 2 ) . وإن أتم الإمام ( المسافر ) صحت الصلاة أما إن نسي المسافر فقام إلى ثالثة فله أن يجلس ولا يلزمه الإتمام لأن الموجب للاتمام نيته .
_________ .
( 1 ) البيهقي : ج - 3 / ص 157 .
( 2 ) أبو داود : ج - 2 / كتاب الصلاة باب 279 / 1229 .
_________ .
ما يمنع القصر : .
- 1 - نية الإقامة في بلد المقصد أكثر من إحدى وعشرين صلاة ولو في مكان غير صالح للإقامة ولو لحاجة علم أنها لا تنقضي إلا في مدة أكثر من إحدى وعشرين صلاة لأن النبي A أقام بمكة فصلى بهم إحدى وعشرين صلاة يقصر فيها وذلك أنه قدم لصبح رابعة ( الرابع من ذي الحجة ) فأقام إلى يوم التروية فصلى الصبح ثم خرج . فمن أقام مثل إقامته قصر ومن زاد أتم ذكره الإمام أحمد Bه .
ومن قصد رستافا ( 1 ) يتنقل فيه لا ينوي الإقامة في موضع واحد فله القصر عن أنس بن مالك Bه قال : ( خرجنا مع النبي A فجعل يقصر حتى [ ص 296 ] قدمنا مكة فأقام بها عشرة أيام يقصر حتى رجع وذلك في حجة الوداع ) ( 2 ) وهذا يعني أنه حسب خروجه إلى منى وعرفة وبعده من العشرة .
ومن كان في مكة مقيما فخرج إلى عرفة عازما على أنه إذا رجع إلى مكة لا يقيم فيها فله القصر من حين خروجه .
- 2 - مرورو المسافر على بلد فيها زوجة له أو ماشية لأن ذلك يروى عن عثمان وابن عباس Bهما .
- 3 - مرورو المسافر بوطنه ولو لم يرد الإقامة فيه .
- 4 - رجوع المسافر من الطريق إلى بلده لحاجة بدت أو لعدوله عن السفر إن لم يقطع مسافة القصر بعد ولا يعيد الصلاة التي صلاها قصرا . أما إن كان قطع مسافة القصر فيقصر في عودته إلى أن يعود إلى بلده .
- 5 - عودة المسافر إلى المكان الذي يباح له القصر عنده حين ابتدأ سفره سواء كان ذلك المكان وطنا له أو لا . [ ص 297 ] .
_________ .
( 1 ) الرستاق : القرى .
( 2 ) الدرامي : ج - 1 / ص 355