وعلل أحمد بأن الثغور معطلة غير مشحونة والفيء غير مقسوم بين أهله وهذا لأن الفيء يجب فيه البداءة بمهمات المسلمين العامة ثم الباقي يقسم بين عموم المسلمين على رواية عنه وعلى أخرى يقدم ذوو الحاجات بقدرها ويقسم بالسوية من غير تفاضل على إحدى الروايتين فإذا خص بعضهم قبل سد مهمات المسلمين لم يعلم أنه يستحق بقدر ما أخذه وأيضا فهو كتخصيص المدين لبعض غرمائه بالعطاء دون بعض وهو غير جائز ولهذا يثبت للآخر حق الرجوع عليه وقد يجاب عن هذا بأن الفيء إذا علم أن فيه فضلا عن المهمات وقلنا يجوز قسمته على التفاضل فلا مانع حينئذ من الأخذ .
والحالة الثانية أن يحصل في يد الانسان شيء بغير قسمة فسنذكره في باب مفرد إن شاء الله تعالى فمن ها هنا كان أحمد يتورع عن أجرة دور بغداد فتارة كان يخرج منها الخراج وتارة كان لا يخرج ويقدم حاجته ويتصدق بالفضل وأما أرض السواد فان كان الملوك يعطونها بغير خراج فهي كدور بغداد إلا أن يضعوا عنه الخراج فان فيه خلافا بين أحمد وإسحاق وسنذكره في موضع آخر إن شاء الله تعالى .
وأما إن كانوا يعطونها بالخراج فهذه مأخوذة معاوضة والأئمة لهم ولاية ذلك فلا ينبغي التوقف في جوازه وإنما وقعت الكراهة في كلام أحمد على الحالة الأولى لأن الغالب كان في زمانه استيلاء الملوك على السواد واستقطاعه واستصفاؤه لأنفسهم وأعوانهم ولهذا كان أهل الورع الدقيق من العلماء كابن سيرين والثوري وأحمد يتشددون في قطائع الأمراء وصوافهم لأنفسهم وأعوانهم ولا يرون السكنى فيها ولا الأكل من زعرها لأنها في أيديهم كالغصب لأنها من مال الفيء وهم مستولون عليها بغير حق ولا يعطون المسلمين بخراج ولا غيره