كتاب القضاء والفتيا .
قدمه لأنه المقصود وبدأ بأحكامها قبله لطول الكلام عليه وهي أي الفتيا اسم مصدر من أفتى يفتي إفتاء تبيين الحكم الشرعي للسائل عنه كان السلف الصالح يهابون الفتيا كثيرا ويشددون فيها ويتدافعونها حتى ترجع إلى الأول لما فيها من المخاطرة وأنكر أحمد وغيره من الأعيان على من يهجم على الجواب وقال لا ينبغي أن يجيب في كل ما يستفتى فيه وقال إذا هاب الرجل شيئا لا ينبغي أن يحل على أن يقوله وينبغي للمستفتي حفظ الأدب مع المفتي ويجله ويعظمه ولا يفعل ما جرت عادة العوام به كإيماء بيده على وجهه ولا يقول له ما مذهب إمامك في كذا أو ما تحفظ في كذا أوأفتاني فلان غيرك بكذا وكذا قلت أنا وإن كان جوابك موافقا فاكتب وإلا فلا تكتب لكن إن علم مفت غرض سائل في شيء لم يجزأن يكتب بغيره ولا يسأله عندهم أوضجرأوقيام ونحوه ولا يطالب بالحجة ولا يلزم المفتي جواب ما لم يقع روى أحمد عن ابن عمر [ لا تسألوا عما لم يكن فإن عمر نهى عن ذلك ] وله أيضا عن ابن عباس قال عن الصحابة ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم واحتج الشافعي على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله تعالى : { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } وكان A [ ينهي عن قيل وقال وإضاعة المال وكثرة السؤال ] وفي لفظ [ إن الله كره لكم ذلك ] متفق عليهما ولا يلزم جواب ما لا يحتمله سائل قال البخاري قال علي حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله وفي مقدمة مسلم عن ابن مسعود ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم ولا يلزم جواب ما لا نفع فيه لقول ابن عباس لعكرمة من سألك عا لا يعنيه فلا تفته وسأل مهنا أحمد عن مسألة فغضب وقال خذ ويحك فيما تنتفع به وإياك وهذه المسائل المحدثة وخذ فيما فيه حديث ومن عدم مفتيا في بلده وغيره فحكمه حكم ما قبل الشرع من إباحة أو حظر أو وقف على الخلاف ورجح الأول ويحرم تساهل مفت في الإفتاء لئلا يقول على الله ما لا علم له به و يحرم تقليد معروف به أي التساهل في الإفتاء لعدم الوثوق به ويقلد المجتهد العدل ولو ميتا لبقاء قوله في الإجماع وكالحاكم والشاهد لا يبطل حكمه ولا شهادته بموته قال الشافعي المذاهب لا تموت بموت أربابها ويفتي مجتهد فاسق نفسه فقط لأنه ليس بأمين على ما يقول وفي أعلام الموقعين الصواب جواز استفتاء الفاسق إلا أن يكون معلنا بفسقه داعيا إلى بدعته و يجوز أن يقلد عامي من ظنه عالما ولو عبدا أو أنثى أو أخرس بإشارة مفهومة أو كتابة وكذا من رآه منتصبا للافتاء والتدريس معظما لأنه دليل علمه لا إن جهل عدالته فلا يجوزأن يقلده لاحتمال فسقه قلت وفيه حرج كبيرخصوصا السائل الغريب وتقدم تصح الصلاة خلف من جهل عدالته ولمفت رد الفتيا إن خاف غائلتها أو كان بالبلد أهل للفتيا عالم قائم مقامه لفعل السلف ولعدم تعين الإفتاء إذن وإلا يكن بالبلد عالم يقوم مقامه لم يجز له رد الفتيا لتعينها عليه ك ما لا يجوز قول حاكم لمن إرتفع إليه في حكومة امض إلى غيري ولوكان بالبلد من يقوم مقامه لأن تدافع الحكومات يؤدي إلى ضياع الحقوق ويحرم على مفت إطلاق الفتيا في اسم مشترك قال ابن عقيل إجماعا فمن سئل أيؤكل أو يشرب أو نحوه برمضان بعد الفجر لابد أن يقول الفجر الأول أو الفجر الثاني ومثله ما امتحن به أبو يوسف فيمن دفع ثوبا إلى قصار فقصره وجحده هل له أجرة إن عاد سلمه لربه فقال إن كان قصره قبل جحوده فله الأجرة وإن كان بعد جحوده فلا أجرة له لأنه قصره لنفسه ومثله من سئل عن بيع رطل تمر برطل تمر هل يصح وجوابه أن تساويا كيلا صح وإلا فلا لكن لا يلزم التنبيه على إحتمال بعيد ومثله شروط ارث وموانعه ونحوها ويكره أن يكون السؤال بخط المفتي لإملائه وتهذيبه وله أي المفتى تخيير من استفتاه بين قوله وقول مخالفه بما ذكر بقوله و يتخير مستفت وإن لم يخيره مفت لأن في إلزامه بالأخذ بقول معين ترجيح بلا مرجح ولا يجوز لمن تنتسب لمذهب إمام أن يتخير في مسألة ذات قولين لإمامة أووجهين لأحد من أصحابه فيفتي أو يحكم بحسب ما يختاره منهما بل عليه أن ينظرأيهما أقرب من الأدلة أو قواعد مذهبه فيعمل به ومن لم يجد إلا مفتيا واحدا لزم أخده بقوله كما لو حكم به عليه حاكم قال ابن الصلاح ولا يتوقف ذلك على إلتزامه ولا سكون نفسه إلى صحته وكذا ملتزم قول مفت وثم غيره قال في شرح التحرير لوأفتى المقلد مفت واحد وعمل به المقلد لزمه قطعا وليس له الرجوع عنه الي فتوى غيره في تلك الحادثة بعينها إجماعا نقله ابن الحاجب و الهندي وغيرهما وإن لم يعمل به فالصحيح من المذهب أنه يلزمه بالتزامه قال ابن مفلح في أصوله هذا الأشهر ويجوز تقليد مفضول من المجتهدين مع وجود أفضل منه لعموم قوله تعالى : { فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وقوله A [ أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ] وفيه الأفضل من غيره وكان المفضول من الصحابة والسلف يفتي مع وجود الأفضل بلا نكيرخصوصا والعامي يقصر عن الترجيح ولا يجوز التقليد في معرفة الله والتوحيد والرسالة لأمره تعالى بالتدبر والتفكر والنظر وقد ذم تعالى التقليد بقوله : { إنا وجدنا آباءنا على أمة } الآية وهي فيما يطلب للعلم فلا يلزم في الفروع والقضاء لغة أحكام الشيء والفراغ منه ومنه قوله تعالى : { فقضاهن سبع سماوات في يومين } وبمعنى أوجب ومنه قوله تعالى : { وقضى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه } وبمعنى إمضاء الحكم ومنه قوله تعالى : { وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين } أي أمضينا وأنهينا وسمى الحاكم قاضيا لأنه يمضي الأحكام ويحكمها أولا يجابه الحكم على من يجب عليه واصطلاحا تبينه أي الحكم الشرعي والإلزام به وفصل الحكومات أي الخصومات والأصل فيه قوله تعالى : { يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى } وقوله { فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم } وقوله A : [ إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر ] متفق عليه من حديث عمرو بن العاص وأجمع المسلمون على نصب القضاء للفصل بين الناس وهو أي القضاء فرض كفاية لأن أمر الناس لا يستقيم بدونه كالإمامة والجهاد وفيه فضل عظيم من قوى عليه وأراد الحق فيه والواجب اتخاذها دينا وقربة فإنها من أفضل القرب وإنما فسد حال بعضهم لطلب الرياسة والمال بها ومن فعل ما يمكنه لم يلزمه ما يعجز عنه ف يجب على الإمام أن ينصب بكل إقليم بكسر الهمزة أحد الأقاليم السبعة قاضيا لأنه لا يمكن الإمام تولي الخصومات والنظر فيها في جميع البلاد ولئلا تضيع الحقوق بتوقف فصل الخصومات على السفرللإمام لما فيه من المشقة وكلفة النفقة [ وقد بعث النبي A وأصحابه القضاة للأمصار فبعث النبي A عليا إلى اليمن قاضيا وبعث معاذا قاضيا أيضا وولى عمر شريحا قضاء الكوفة وولى كعب بن سوارقضاء البصرة وكتب إلى أبي عبيدة ومعاذ يأمرهما بتولية القضاء في الشام ] و على الإمام أن يختار لذلك أي نصب القضاة أفضل من يجد علما وورعا لأن الإمام ينظر للمسلمين فوجب عليه تحري الأصلح لهم ويأمره أي الإمام إذا ولاه بالتقوى لأنها رأس الأمر وملاكه و يأمره بتحري العدل أي إعطاء الحق لمستحقه بلا ميل لأنه المقصود من القضاء و يأمره أن يستخلف في كل صقع بضم الصاد المهملة وسكون القاف أي ناحية من عمله أفضل من يجدهم علما وورعا لحديث [ من ولي من أمور المسلمين شيئا فولى رجلا وهو يجد من هوأصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين ] رواه الحاكم في صحيحه ويجب على من يصلح للقضاء إذا طلب له ولم يوجد غيره ممن يوثق به أن يدخل فيه لأن القضاء فرض كفاية ولا قدرة لغيره على القيام به إذن فتعين عليه كغسل الميت ولئلا تضيع حقوق الناس فإن لم يطلب له أووجد موثوق به غيره لم يلزمه الدخول فيه إن لم يشغله الدخول في القضاء عما هو أهم منه فلا يلزمه إذن الدخول فيه لحديث [ لا ضرر ولا ضرار ] ومع وجود غيره ممن يصلح للقضاء الأفضل له أن لا يجيب إذا طلب للقضاء طلبا للسلامة ودفعا للخطر واتباعا للسلف في الامتناع منه والتوقي له لما روى ابن مسعود مرفوعا [ ما من حاكم يحكم بين الناس إلا حبس يوم القيامة وملك آخذ بقفاه حتى يوقعه على جهنم ثم يرفع رأسه إلى الله فان قال إلقه ألقاه في مهوى فهوى أربعين خريفا ] رواه أحمد و ابن ماجة وكره له طلبه أي القضاء إذا أي مع وجود صالح له لحديث أنس مرفوعا [ من سأل القضاء وكل الى نفسه ومن أجبرعليه نزل ملك يسدده ] رواه الخمسة إلا النسائي وفي الصحيحين عن أبي موسى مرفوعا [ إنا والله لا نولي هذا العمل أحدا سأله ولا أحدا حريصا عليه ] ويحرم بذل مال فيه أي القضاء و يحرم على من بذل له المال في القضاء أخذه وهو من أكل المال بالباطل و يحرم طلبه أي القضاء وفيه مباشر أهل أي صالح له ولو كان الطالب أهلا في الصور الثلاث لأنه إيذاء للمباشر له فإن لم يكن مباشره أهلا جاز للأهل طلبه بلا مال ويحرم الدخول في القضاء على من لا يحسنه ولم تجتمع فيه شروطه والشفاعة له وإعانته على التولية لأنه إعانة على معصية وتصح تولية مفضول مع وجود أفضل منه لأن المفضول من الصحابة كان يولى مع وجود أفضل منه واشتهروتكرر ولم ينكر و وتصح تولية حريص عليها بلا كراهة لأنه لا يقدح في أهليته لكن غيره أولى لما تقدم و يصح تعليق ولاية قضاءو تعليق ولاية إمارة بلد أو جيش أو سرية بشرط نحو قول الإمام إن مات فلان القاضي أو الأمير ففلان عوضه لحديث [ أميركم زيد فإن قتل فجعفر فإن قتل فعبدالله بن رواحة ] وشرط لصحتها أي ولاية القضاء كونها من إمام أو نائبه فيه أي القضاء لأنها من المصالح العامة كعقد الذمة ولأن الإمام صاحب الأمروالنهي فلا يفتات عليه في ذلك وأن يعرف الإمام أو نائبه في القضاء أن المولى بفتح اللام صالح للقضاء لأن الجهل بصلاحيته كالعلم بعدمها لأنه الأصل فإن لم يعرفه سأل عنه أهل المعرفة به وتعيين ما يوليه الإمام أو نائبه في القضاء الحكم فيه من عمل أي ما يجمع بلاد أو قرى متفرقة كمصرونواحيها وبلدا كمكة والمدينة ليعلم محل ولايته فيحكم فيه دون غيره وبعث عمر في كل مصر قاضيا واليا ومشافهته بها أي الولاية إن كان بمجلسه أو مكاتبته بالولاية إن كان غائبا كالوكالة فيكتب له الإمام عهدا بما ولاه [ لأنه A كتب لعمرو بن حزم حين بعثه لليمن وكتب عمر إلى أهل الكوفة أما بعد : فاني قد بعثت إليكم عمارا أميرا وعبد الله قاضيا فاسمعوا لهما وأطيعوا ] واشهاد عدلين عليهما أي التولية أن بعدما ولاه فيه عن بلد الإمام أكثر من خمسة أيام فيكتب العهد ويقرأ على العدلين ويقول المولي لهما اشهدا علي أني قد وليت فلانا قضاء كذا وتقدمت إليه بما اشتمل عليه هذا العهد ليمضي إلى محل ولايته فيقيما له الشهادة هناك أو استفاضتها أي الولاية إذا كان بلد الإمام خمسة أيام فما دون بالبناء على الضم بحذف المضاف إليه ونية معناه من البلد الذي ولي فيه لأن الاستفاضة آكد من الشهادة ولهذا يثبت بها النسب والموت فلا حاجة معها إلى الشهادة و لا يشترط لصحة الولاية عدالة المولى بكسر اللام لئلا يفضي إلى تعذر التولية وألفاظها أي التولية الصريحة سبعة وليتك الحكم وقلدتك الحكم وفوضت إليك الحكم ورددت إليك الحكم وجعلت إليك الحكم واستخلفتك في الحكم واستنبتك في الحكم فإذا وجد أحدها أي أحد هذه الألفاظ السبعة وقبل مولى بفتح اللام حاضر بالمجلس انعقدت الولاية كالبيع والنكاح أو قبل التولية غائب عن المجلس بعده أي بعد بلوغ الولاية به أو شرع الغائب في العمل انعقدت لدلالة شروعه في العمل على القبول كالوكالة والكناية من ألفاظ التولية نحو اعتمدت عليك أو عولت عليك أو وكلت إليك أو استندت إليك لا تنعقد الولاية بها أي الكناية إلا بقرينة نحو فاحكم أواقض فيه أو فتول ما عولت عليك فيه لأن هذه الألفاظ تحتمل الولاية وغيرها كالأخذ برأيه ونحوه فلا تنصرف إلى التولية إلا بقرينة تنفي الاحتمال وإن قال من له تولية القضاء من نظر في الحكم في بلد كذا من فلان وفلان فقد وليته لم تنعقد الولاية لمن نظر لجهالته حيث لم يعين بالولاية واحدا منهما كقوله بعتك أحد هذين العبدين وإن قال وليت فلانا وفلانا فمن نظر منهما فهو خليفتي انعقدت الولاية لهما جميعا بقوله وليت فلانا وفلانا ويتعين من سبق منهما بالنظر بقوله من نظرمنهما فهو خليفتي