باب حكم المرتد .
وهو لغة الراجع قال الله تعالى : { لا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين } وشرعا من كفر ولو كان مميزا بنطق أو اعتقاد أو فعل أو شك طوعا ولو كان هازلا بعد إسلامه ولو كان إسلامه كرها بحق كمن لا تقبل منه الجزيه إذا قوتل على الإسلام فأسلم ثم ارتد وولد مسلمة من كافر إذا أكره على النطق بالشهادتين فنطق بهما ثم ارتد وأجمعوا على وجوب قتل المرتد إن لم يتب لحديث ابن عباس مرفوعا [ من بدل دينه فاقتلوه ] رواه الجماعة إلا مسلما وروى عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري وخالد بن الوليد وغيرهم وسواء الرجل والمرأة لعموم الخبر وروى الدارقطني [ أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت عن الإسلام فبلغ أمرها النبي A فأمرأن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت ] وحديث النهي عن قتل المرأة الكافره فالمراد به الأصلية لأنه قاله حين رأى امرأة مقتولة وكانت كافر أصلية ويخالف الكفر الأصلي الطاريء إذ المرأة لا تجبرعلى ترك الكفر الأصلي بضرب ولا حبس بخلاف المرتدة فمن ادعى النبوة أو صدق من ادعاها كفر لأنه مكذب لله تعالى في قوله : { ولكن رسول الله وخاتم النبيين } ولحديث [ لا نبي بعدي ] وفي الخبر [ لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذابا كلهم يزعم أنه رسول الله ] أو أشرك أي كفر بالله تعالى كفر لقوله تعالى : { إن الله لا يغفر أن يشرك به } أو سبه أي الله تعالى أو سب رسولا له أو ملكا له كفر لأنه لا يسبه إلا وهوجاحد به أو جحد ربوبيته أي الله تعالى أو جحد وحدانيته أو جحد صفة ذاتية له تعالى كالعلم والحياة كفر أو جحد رسولا مجمعا عليه أو ثبت تواتر الآحاد كخالد بن سنان أو جحد كتابا أو ملكا له أي الله تعالى من الرسل أو الملائكة المجمع عليهم كفرلأنه مكذب لله ولرسوله A في ذلك ولأن جحد شيء من ذلك كجحد الكل أو جحد البعث أو وجوب عبادة من العبادات الخمس المشار اليها بحديث [ بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقامة الصلاة وايتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا ] ومنها أي مثلها الطهارة فيكفر من جحد وجوبها وضوء كانت أو غسلا أو تيمما أو جحد حكما ظاهرا بين المسلمين بخلاف فرض السدس لبنت الابن مع بنت الصلب مجمعا عليه إجماعا قطعيا لاسكوتيا لأن فيه شبهة ك جحد تحريم زنا أو جحد تحريم لحم خنزير أو جحد حل خبز ونحوه كلحم مذكاة بهيمة الأنعام والدجاج أو شك فيه أي في تحريم زنا ولحم خنزيرأوفي حل خبزونحوه ومثله لا يجهله لكونه نشأ بين المسلمين أو كان يجهله مثله وعرف حكمه وأصر على الجحد أو الشك كفر لمعاندته للإسلام وامتناعه من قبول الأحكام غيرقابل لكتاب الله وسنة رسوله A وإجماع الأمة وخرج بقوله إجماعا قطعيا أي لا شبهة فيه نحو استحلال الخوارج دماء المسلمين وأموالهم فإن أكثر الفقهاء لا يكفرونهم لادعائهم أنهم يتقربون إلى الله تعالى بذلك كما قال عمران بن حطان يمدح ابن ملجم لقتله عليا رضي الله تعالى عنه .
( يا ضربة من تقى ما أراد بها ... إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا ) .
( إني لأذكره يوما فأحسبه ... أوفى البرية عند الله ميزانا ) .
بخلاف من استحل ذلك بلا تأويل أو سجد لكوكب كشمس أو قمر أو سجد لB نحوه كصنم كفرلأنه أشرك به سبحانه وتعالى أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين كفرلقوله تعالى - : { ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم } قال في المغني وينبغي أن لا يكتفي فن الهازىء بذلك بمجرد الإسلام حتى يؤدب أدبا يزجره عن ذلك أو امتهن القرآن كتاب الله جل ذكره أو ادعى اختلافه أو اختلاقه أو ادعى القدرة على مثله أو أسقط حرمته كفر لقوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } * وقوله : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله } الآية وقوله : { لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله } وكذا من اعتقد قدم العالم أوحدوث الصانع أوسخر بوعد الله ووعيده أو لم يكفر من دان بغيردين الإسلام كأهل الكتاب أو شك في كفرهم أو صحح مذهبهم ولا يكفر من حكى كفرا سمعه ولا يعتقده ومن تزيا بزي كفر من لبس غيار وشد زنار وتعليق صليب بصدره حرم ولم يكفر قاله في الانتصار وإن ترك مكلف عبادة من العبادات الخمس تهاونا مع إقراره بوجوبها لم يكفر سواء عزم على أن لا يفعلها أبدا أو على تأخيرها إلى زمن يغلب على ظنه أنه لا يعيش إليه لحديث معاذ مرفوعا [ ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله إلا حرمه الله على النار قال معاذ يا رسول الله ألا أخبر بها الناس فيستبشروا قال إذن يتكلوا فأخبر بها معاذ عند موته تأثما ] متفق عليه وعن عبادة بن الصامت مرفوعا [ خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله بأن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفرله ] رواه الخمسة إلا الترمذي ولو كفر بذلك لم يدخله في مشيئة الغفران لأن الكفرلا يغفر إلا بالصلاة أو بشرط لها أو ركن لها مجمع عليه أي على أنه شرط أو ركن لها إذا ادعى أي دعاه الإمام أو نائبه إلى شيء من ذلك الذي تركه من الصلاة أوشرطها أوركنها المجمع عليه وامتنع من فعله حتى تضايق وقت التي بعد الصلاة التي دعى لها فيكفركما تقدم توضيحه في كتاب الصلاة لأن في امتناعه بعد دعاء الإمام أو نائبه شبها بالخروج عن حوزة المسلمين ويستتاب كمرتد ثلاثة أيام وجوبا فإن تاب بفعلها خلى سبيله وإن أصر قتل كفرا بشرطه وهو الاستتابة ودعاية الإمام أو نائبه له ويقتل في غير ذلك المذكور من الصلاة وشرطها وركنها المجمع عليه كالزكاة والصوم والحج حدا لما تقدم في الصلاة عن عبد الله بن شقيق فمن ارتد مكلفا مختارا ولو أنثى دعي إلى الإسلام واستتيب ثلاثة أيام وجوبا لحديث أم مروان وتقدم وروى مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه أنه قدم على عمر رجل من قبل أبي موسى فقال له عمر هل كان من مغربة خبر قال نعم رجل كفر بعد إسلامه فقال ما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه قال عمر فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا وأسقيتموه لعله يتوب أويراجع الله اللهم إني لم أحضر ولم آمرولم أرض إذا بلغني ولولم تجب الاستتابة لما برىء من فعلهم وأحاديث الأمر بقتله تحمل على ذلك جمعا بين الأخبار وينبغي أن يضيق عليه مدة الاستتابة ويحبس لقول عمر فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا وأسقيتموه ولئلا يلحق بدارحرب وينبغي أن يكرر دعايته لعله يراجع دينه فإن تاب لم يعرز ولو بعد مدة الاستتابة لأن فيه تنفيرا له عن الإسلام .
وإن أصر على ردته قتل بالسيف ولا يحرق بالنار لحديث [ إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ] وحديث [ من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوه بعذاب الله - يعني النار - ] رواه البخاري و أبو داود إلا رسول كفار فلا يقتل ولومرتدا بدليل رسول مسيلمة حاربه أبو بكرBه وقتل على يد وحشي قاتل حمزة وكان وحشيا يقول قتلت خير الناس في الجاهلية أي جاهليته وشرها في الإسلام مسيلمة الكذاب بكسر اللام ورسولاه وهما ابن النواحة وابن أثال جاءا إلى رسول الله A ولم يقتلهما ولا يقتله أي المرتد إلا الإمام أو نائبه حرا كان المرتد أو عبدا لأنه قتل لحق الله تعالى فكان إلى الإمام كرجم الزاني المحصن ولا يعارضه حديث أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم لأن قتل المرتد لكفره لا حدا فإن قتله أي المرتد غيرهما الامام أو نائبه بلا إذن من أحدهما أساء وعزر لافتياته على ولي الأمر ولا ضمان بقتل مرتد ولو كان قتله قبل استتابته لأنه مهدر الدم وردته أباحت دمه في الجملة ولا يلزم من تحريم القتل الضمان بدليل نساء حرب وذريتهم إلا أن يلحق المرتد بدار الحرب ف يجوز لكل أحد قتله وأخذ ما معه من المال لأنه صار حربيا ومن أطلق الشارع أي النبي A كفره كدعواه لغير أبيه ومن أتى عرافا وهو الذي يحدث ويتخرص فصدقه بها يقول فهو تشديد وتأكيد نقل حنبل كفردون كفر لا يخرج به عن الإسلام انتهى وقيل كفر نعمة وقاله طوائف من الفقهاء والمحدثين وى عن أحمد وقيل قارب الكفروقال القاضي عياض وجمامحة من العلماء في قوله [ من أتى عرافا فقد كفربما أنزل على محمد ] أي جحد تصديقه بكذبهم وقد يكون على هذا إذا اعتقد تصديقهم بعد معرفته بتكذيب النبي A لهم كفرا حقيقة انتهى قال في تصحيح الفروع : والصواب رواية حنبل وحملها بعضهم على المستحل وروى عن أحمد أنه كان يتوقى الكلام في تفسيرهذه النصوص تورعا ويمرها كما جاءت من غيرتفسيرمع اعتقاده أن المعاصي لا تخرج عن الملة ويصح إسلام مميز ذكر أو أنثى يعقله أي الإسلام بأن علم أن الله تعالى ربه لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله إلى الناس كافة لأن عليا Bه أسلم وهو ابن ثمان سنين أخرجه البخاري عن عروة بن الزبيرولم يمتنع أحد من القول بأن أول من أسلم من الصبيان علي ومن الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن العبيد بلال ولولم يصح إسلامه لما صح ذلك له وروى عنه من قوله : سبقتكم الى الإسلام طرا صبيا ما بلغت أوان حلمي ولأن الإسلام عبادة محضة فصحت من الصبي كالصلاة والصوم وكونه يوجب عليه الزكاة من ماله لا يمتنع منه لأنها نفع له وكذا إيجابه عليه نفقة قريبه المسلم وحرمان ميراثه قريبة الكافر لأنه أمرمتوهم مجبور بميراثه من قريبه المسلم وسقوط نفقة قريبه الكافر ثم إنه ضررمغمور في جنب ما يحصل له من سعادة الدنيا والآخرة و تصح ردته أي المميز كإسلامه فإن أسلم مميزيعقله حيل بينه وبين الكفار صونا له لضعف عقله فربما أفسدوه فإن قال بعد إسلامه لم أرد ما قلته فكما لو ارتد أي لم يبطل إسلامه بذلك ولم يقبل منه لأنه خلاف الظاهر ويكون كالبالغ إذا أسلم ثم ارتد ولا يقتل هو أي - المميز حيث ارتد و لا سكران ارتدا حتى يستتابا أي الصغير بعد بلوغه و السكران بعد صحوه ثلاثة أيام لأن البلوغ والصحو أول زمن صار فيه من أهل العقوبة أما الصبي فلأنه مرفوع عنه القلم حتى يحتلم للخبر وأما السكران فلأن الحد شرع للزجر ولا يحصل الزجر في حال سكره و إن مات من ارتد وهو سكران في سكر أي قبل أن يصحو مات كافرا لموته قبل توبته فلا يرثه قريبه المسلم ولا يغسل ولا يصلي عليه ولا يدفن معنا أو مات مميزا ارتد قبل بلوغ وقبل توبته مات كافرا لموته في الردة ولا تقبل في أحكام الدنيا كترك قتل وثبوت أحكام توريث ونحوها توبة زنديق وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر لقوله تعالى : { إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا } والزنديق لا يعلم تبيين رجوعه وتوبته لأنه لا يظهرمنه بالتوبة خلاف ما كان عليه فإنه كان ينفي الكفر عن نفسه قبل ذلك وقلبه لا يطلع عليه ولا تقبل في الدنيا توبة من تكررت : ردته لقوله تعالى : { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا } وقوله : * { إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم } والازدياد يقتضي كفرا متجددا ولا بد من تقديم الايمان عليه ولأن تكرار ردته يدل على فساد عقيدته وقلة مبالاته بالإسلام أو سب الله تعالى أي صريحا لا تقبل توبته لعظم ذنبه جدا فيدل على فساد عقيدته أو سب رسولا أو ملكا له أي لله تعالى صريحا أو انتقصه أي الله تعالى أو رسوله أو واحدا من ملائكته فلا تقبل توبته لما تقدم ولا تقبل توبة ساحر مكفر بفتح الفاء مشددة بسحره كالذي يركب المكنسة فتسيربه في الهواء لحديث جندب بن عبد الله مرفوعا [ حد الساحر ضربه بالسيف ] رواه الدارقطني فسماه حدا والحد بعد ثبوته لا يسقط بالتوبة ولأنه لا طريق لنا في علم إخلاصه في توبته لأنه يضمر السحر ولا يجهر به وقوله في الدنيا علم منه أنه من مات منهم مخلصا قبلت توبته في الآخرة لعموم حديث [ التائب من الذنب كمن لا ذنب له ] ومن أظهر الخير من نفسه وأبطن الفسق فB هو في توبته من فسقه كزنديق في توبته من كفره لأنه لم يظهرمنه بالتوبة خلاف ما كان عليه من إظهار الخيرفلا تقبل شهادته ونحوها